كره العلماء لمن توجه إلى صلاة الجمعة أن يذهب إليها راكبا ، وليست هذه الكراهة كراهة تحريم ، ولكن الركوب مكروه لأنه يضيع عليه الأجر ؛ إذ صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من يبكر إلى الجمعة ، ويغتسل ، ويذهب ماشيا ، ويقترب من الإمام ، ويستمع إلى الخطبة من غير لغو ، من فعل ذلك كان له بكل خطوة أجر صيام سنة وقيامها ، أما من لا يستطيع المشي لتعب أو لطول الطريق فلا يكره الركوب في حقه .

روى أبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وأحمد ، وابن ماجة ، وغيرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :- { : من غسل واغتسل يوم الجمعة , وبكر وابتكر , ومشى ولم يركب , ودنا من الإمام ، واستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة أجر عمل سنة صيامها وقيامها } ) وهو حديث صحيح ، صححه غير واحد من المحدثين ، ومعنى بكر : أي خرج في أول النهار .

قال النووي معلقا على هذا الحديث :-
اتفق الشافعي والأصحاب وغيرهم على أنه يستحب لقاصد الجمعة أن يمشي وأن لا يركب في شيء من طريقه إلا لعذر كمرض ونحوه.

وقال ابن قدامة في المغني :-
المستحب للذاهب إلى صلاة الجمعة أن يمشي ولا يركب في طريقها ; لقوله صلى الله عليه وسلم : ” ومشى ولم يركب . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم { أنه لم يركب في عيد ولا جنازة . } والجمعة في معناهما , وإنما لم يذكرها , لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان باب حجرته شارعا – مفتوحا – في المسجد , يخرج منه إليه , فلا يحتمل الركوب .
ولأن الثواب على الخطوات , ويستحب أن يكون عليه السكينة والوقار في حال مشيه ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { إذا سمعتم الإقامة فامشوا وعليكم السكينة والوقار , ولا تسرعوا } .
ولأن الماشي إلى الصلاة في صلاة , ولا يشبك بين أصابعه , ويقارب بين خطاه , لتكثر حسناته . وقد روينا عن { النبي صلى الله عليه وسلم أنه خرج مع زيد بن ثابت إلى الصلاة , فقارب بين خطاه , ثم قال : إنما فعلت لتكثر خطانا في طلب الصلاة } .
وروي عن عبد الله بن رواحة , أنه كان يبكر إلى الجمعة , ويخلع نعليه , ويمشي حافيا , ويقصر في مشيه , رواه الأثرم .
ويكثر ذكر الله في طريقه , ويغض بصره , ويقول : ” اللهم اجعلني من أوجه من توجه إليك , وأقرب من توسل إليك , وأفضل من سألك ورغب إليك .
وروينا عن بعض الصحابة , أنه مشى إلى الجمعة حافيا , فقيل له في ذلك , فقال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { من اغبرت قدماه في سبيل الله , حرمهما الله على النار . }.

وجاء في مغني المحتاج في فقه الشافعية:-
والمختار أن قوله صلى الله عليه وسلم : ( ولم يركب ) بعد قوله : ( ومشى ) أفاد نفي توهم حمل المشي على المضي وإن كان راكبا- أي حتى لا يظن أحد أن المقصود بالمشي الذهاب حتى لو كان الذاهب راكبا – ونفي احتمال أن يريد المشي ولو في بعض الطريق , والسنة أن لا يركب فيها ولا في عيد ولا في جنازة ولا في عيادة مريض ذهابا كما قاله الرافعي وغيره إلا لعذر فيركب .
أما في الرجوع فهو مخير بين المشي والركوب لأنه صلى الله عليه وسلم { ركب في رجوعه من جنازة أبي الدحداح } رواه ابن حبان وغيره وصححوه

وقال الشوكاني في نيل الأوطار :-
وحديث أوس بن أوس الثقفي الذي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { من غسل واغتسل يوم الجمعة وبكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها }
الحديث يدل على مشروعية الغسل يوم الجمعة ، وعلى مشروعية التبكير , والمشي والدنو من الإمام , والاستماع وترك اللغو , وإن الجمع بين هذه الأمور سبب لاستحقاق ذلك الثواب الجزيل .