فيجوز لعب الكرة في رمضان وفي غيره إذا لم يشتمل على محرم، ولكن الإسراف في هذا العمل لا يليق بسلوك المسلم الذي يحرص على اغتنام مواسم الخير، ويشغل نفسه بالأمور التي تقربه من رضا الله لا أن يشغلها بالإسراف في اللهو واللعب الذي لا يجعل له نصيبا في الآخرة.

ليس هناك حكم خاص لمثل هذا في رمضان، فإن كانت هذه المباريات مشتملة على أمور محرمة، مثل الرهان أو الجوائز على طريقة المقامرة أو كان فيها أخلاق سيئة فهي محرمة في رمضان وفي غيره لأجل ذلك.

ومع هذا فلا شك أن الشهر الفضيل ينبغي أن يُغتنم وقته بأفضل صورة ممكنة، وفي أحسن العبادات والأعمال التي يعظم أجرها، ويكون لها أثر في تكفير السيئات وإدخال السرور على الآخرين والاشتغال بالتلاوة والذكر والدعاء واستماع المواعظ والدروس.

أما من حيث الجواز فإنه لا يوجد ما يحرم ممارسة كرة القدم إذا لم يقترن بها محرم أو أدت إلى تضييع الفرائض والواجبات، وقد يكون هنا برامج مصاحبة فيها فوائد دعوية ومسابقات ثقافية ويكون البرنامج الرياضي عاملاً من عوامل الترغيب للشباب لجذبهم حتى يمكن أن تصل لهم رسالة الدعوة بطريقة غير مباشرة وبأسلوب مشوق فلا بأس من ذلك إن شاء الله.

والذي ينبغي للمؤمن أن يغتنم مواسم الخيرات ويكثر من طاعة ربه سبحانه وتعالى، ومن أعظم هذه المواسم شهر رمضان .

وما أكثر الطاعات التي يفعلها المسلم في رمضان ، ويزيد ثوابها ويتضاعف .

فرمضان هو شهر الصيام والقيام وقراءة القرآن والذكر والدعاء والعمرة وتفطير الصائم والصدقة والجود والعطف على المساكين . وشهر الاعتكاف والانقطاع عن الخلق والإقبال على الله والاجتهاد في العبادة .

فضائله أكثر من أن تحصى ، وأشهر من أن تذكر .

لله تعالى فيه كل ليلة عتقاء من النار، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق أبواب النار، وتسلسل فيه الشياطين ، أسباب مغفرة الذنوب فيه كثيرة من الصيام والقيام وقيام ليلة القدر ، فالمحروم حقيقة من حرم خير هذا الشهر ، والخاسر حقيقة من انقضى هذا الشهر ولم يغفر له ، وإذا لم يغفر له في رمضان فمتى يغفر له !!

وإذا لم يقبل العبد على الله في رمضان فمتى يقبل على الله ؟!

ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ ) . رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الترمذي .

وإذا لم يغتنم أوقاته ويعمرها بطاعة الله في هذا الشهر فمتى يغتنمها ؟!

المسلم فيه يتنقل من طاعة إلى طاعة ، ومن عبادة إلى أخرى ، من صلاة إلى قراءة قرآن إلى تسبيح وتهليل، إلى تفطير صائم إلى قيام ليل وتهجد إلى توبة واستغفار بالأسحار ..الخ

فمتى يجد المؤمن وقتا في هذا الشهر المبارك ليضيعه ، فو الله لو أن الأوقات تباع لأنفق العقلاء في شرائها كل نفيس ، فالوقت هو حياة الإنسان وعمره وله نهاية لا محالة ، فمن الناس من ينفق عمره في طاعة الله ومنهم من ينفقه في طاعة شيطانه هواه ، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال : ” كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا ” رواه مسلم .

ومَعْنَاهُ كُلّ إِنْسَان يَسْعَى بِنَفْسِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَبِيعهَا لِلَّهِ تَعَالَى بِطَاعَتِهِ فَيُعْتِقهَا مِنْ الْعَذَاب , وَمِنْهُمْ مَنْ يَبِيعهَا لِلشَّيْطَانِ وَالْهَوَى بِاتِّبَاعِهِمَا فَيُوبِقهَا أَيْ يُهْلِكهَا ” قاله النووي .

وهذه الألعاب أقل ما يقال فيها بالنسبة لهذا الشهر : أنها من تضييع الوقت ، وليس شيء أغلى عند الإنسان من وقته فهو عمره وحياته .

قال الشاعر :

والوقت أنفس ما عنيت بحفظه ** وأراه أسهل ما عليك يضيع!

ثم لماذا يختص شهر رمضان بهذه الألعاب لماذا لا تكون في شعبان أو رجب أو شوال ؟

ولماذا يختص رمضان بالمسلسلات وغيرها مما تستعد به القنوات ، حتى رسخ في أذهان كثير من الناس أن رمضان هو شهر الكرة وشهر المسلسلات ، وشهر السهرات …..إلخ .

وغاب هؤلاء عن الحكمة التي أرادها الله تعالى من فرضه لصيام شهر رمضان ألا وهي تقوى الله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) البقرة/183 .

فأين هؤلاء من التقوى وهي العمل بطاعة الله ، والكف عما حرم الله .

فعلى المؤمن أن يكون عاقلا حازما مع نفسه ولا يتبع نفسه هواها وإلا ندم حين لا ينفع الندم .

فرغم أنف امرئ أضاع رمضان ما بين لعب ولهو وسهرات في غير طاعة الله حتى انقضى رمضان ولم يزدد من الله إلا إثما وبعدا . فرغم أنفه ثم رغم أنفه ثم رغم أنفه .