يجوز للمرأة الحائض القراءة في الكتب الدينية لأنها لا تأخذ حكم المصحف، كما يجوز لها قراءة القرآن وهي غير مختمرة ما دام لم يرها غير المحارم .

يقول فضيلة الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر ـ رحمه الله ـ في كتابه أحسن الكلام في الفتوى والأحكام:

يَحْرُم على الجُنُب ـ ومن الجنابة الحَيْض والنِّفَاس ـ الصلاة والطواف والمكث في المسجد وقراءة القرآن ومسِّ المصحف وحَمْله .
كما يحْرُم على الحائض والنُّفساء الصيام ، وعلى الرجل اعتزالها حتى تَطْهُر .
أما حمْلها لكتاب الدِّين فليس ممنوعًا؛ لأنه ليس بمصحف ولا ينطبق عليه قول الله تعالى (إِنَّه لقُرْآنٌ كَرِيمٌ . فِي كِتَابٍ مَكْنُون . لا يَمَسُّه إلا المُطَهَّرُون) (الواقعة: 77 ـ 79)، وأمَّا قراءتها للقرآن من غير مسِّ المصحف ولا حَمْله فممنوعة أيضًا عند جمهور الفقهاء، وذلك للحديث الذي رواه أصحاب السنن أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان لا يحْجُبه عن القراءة شيء إلا الجَنَابة، وصحَّح الترمذي هذا الحديث، وقيل: إنه حديث حسن يصلح للاحتجاج به، وكذلك للحديث الذي رواه أحمد عن علي ـ رضي الله عنه ـ قال: رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ توضأ ثم قرأ شيئًا من القرآن، ثم قال “هكذا لمن ليس بجُنُب، أما الجُنُب فلا، ولا آية” قال الهيثمي: رجاله موثَّقون قال الشوكاني: فإن صحَّ هذا الحديث صلح للاستدلال به على التحريم .
كما تمسَّكوا بحديث رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال “لا يَقرأ الْجُنُب ولا الحائض شيئًا من القرآن” وقد ضعَّف هذا الحديث وغير الجمهور أجازوا للحائض والجُنُب قراءة القرآن، ومنهم أهل الظاهر والطبري والبخاري الذي قال : لا بأس أن تقرأ الحائض الآية، ولم يرَ ابن عباس بالقراءة للجُنُب بأسًا .
قال ابن حجر: لم يصحَّ عند البخاري شيء من الأحاديث الواردة في منع الجُنُب والحائض وإن كان مجموع ما ورد في ذلك تقوم به الحُجَّة عند غيره، لكن أكثرها قابلٌ للتأويل .
هذا، وذهب أبو حنيفة إلى قراءة ما دون الآية .

وبعد عرض هذه الآراء يُختار قول الجمهور في المنع، ولا يجوز للحائض أن تقرأ شيئًا من القرآن عند دراسة لِدين ما دامت لا توجد ضرورة لقراءتها . كالامتحان مثلاً، ويُمكنها أن تُؤَجِّل دراسة الباب الذي فيه القرآن حتى تَطْهُر، فإن تحتَّمت القراءة جازت قراءة آية أو أقلَّ أي: الاقتصار على الضروري، محافَظَةً على قُدْسية القرآن .
أما قراءة الأحاديث النبوية وذِكْر الله بما ليس بقرآن، والصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإجابة المؤذِّن فلا حُرْمَة ولا كراهة فيها مع الجَنابة .
وقراءة القرآن جائزةٌ ورأس المرأة مكشوف أو كانت بملابس البيت ما دام لا يُوجد أجنبي يراها، وإن كان الأفضل السِّتر الكامل والطهارة واستقبال القِبْلة، وذلك لزيادة الأجر .
ولا يجُوز لمن عندها العُذْر الموجِب للغُسل أن تدخل المسجد وتمكُث فيه لحضور مجلس علم حتى تطْهُر؛ لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نهى عن ذلك، كما رواه أبو داود وابن ماجه، ويمكنها أن تتلَّقى العلم بعيدًا عن المسجد أو في مكان مُلْحَق به لا يُصلَّي فيه.

توجيهات للجُنُب :
من المُستحَب أن يبادر الجنُب بالطهارة بالغسل؛ لأنها كمال، ولأن فيها تنشيطًا للبدن وتعويضًا لما فقدَ من قوّة، ويُكره له أن يُؤخِّرها إلا إذا كان هناك عُذْر، وهنا يُسْتَحبُّ له أن يتوضأ بدل الغُسْل لمزاولة أعمال غير التي حُرمت عليه كالأكل والشرب والنوم والسفر، وإنْ ترَك الطهارة بالغسل أو الوضوء عند التمكُّن من أحدهما كان ذلك مكروهًا؛ لأنه يدل على الاستهانة وقد يصير عادة له.

ومما ورد في استحباب المبادرة بالطهارة ما ثبَت في صحيح مسلم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان إذا أراد أن يأكل أو ينام وهو جُنُب توضأ، وما رواه أبو داود والنسائي وابن حِبان في صحيحه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال “لا تَدْخُل الملائكة بيْتًا فيه صورة ولا كلب ولا جُنُب” وما رواه البزَّار بإسناد صحيح عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: “ثلاثة لا تقْربهم الملائكةُ: الْجُنُبُ والسَّكران والمتضمِّخ بالخلوق” وهو طِيب كان خاصًّا بالنساء . وما رُوي من أن الملائكة لا تحضُر جنازة الكافر والجُنُب .
ويُكْرَه للجُنُب تشييع الجنازة؛ لأن الملائكة تشيع بعض الجنازات، كما ثبت في الصحيح، وربما لا تشيع لوجود جُنُب مع المشيعين فيَمنع الرحمة عن الجنازة .
يقول العلماء: إن الملائكة التي لا تقْرُب الجُنُب حتى يغتسل أو يتوضأ هم ملائكة الرحمة، أما الحَفَظَة وغيرهم فلا يُفَارِقونَه أبَدًا، والمراد بالصورة المجسَّمة وبالكلب غير ما أُذن فيه كالحراسة والصيد، ولا بأس من الذَّبح مع الجنابة وذكر اسم الله ، وإن كان الأوْلى الطهارة.