قد يكون للخمر بعض المنافع الاقتصادية الظاهرة ، لكن أضرارها وأخطارها تفوق بكثير منافعها ، وهذه الأضرار تعود على الفرد والأسرة والمجتمع، كما تؤثر على الحياة الاجتماعية والصحية بل والاقتصادية أيضا، ولذلك حرمها الإسلام إذ دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح في الإسلام .

يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي :

الله تعالى يقول: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس، وإثمهما اكبر من نفعهما). (البقرة: 219) فالخمر بنص القرآن فيها إثم كبير، وفيها بعض المنافع،والمقصود بالمنافع التي في الخمر هي المنافع الاقتصادية . . من ناحية التجارة ومن ناحية الإنتاج: في بعض البلاد، يزرعون العنب والكروم من أجل بيعها عصير خمر ويكسبون من ورائها الملايين…
وهذه المنافع هي التي يسوغ كثير من الناس اليوم بها تجارة الخمر . . ويزعمون أنها تجتذب السائحين، فيكسبون من ورائهم عملات صعبة . . وهذا شيء مهم . ولكن الشرع الحنيف أهدر هذه المنافع ولم يقم لها اعتبارًا في مقابلة الإثم الكبير والأضرار العظيمة التي في الخمر . . أضرارها على الفرد، وأضرارها على الأسرة وأضرارها على المجتمع “.
فأضرارها على الفرد جسميًا، وعقليًا ونفسيًا، وقد كتب في ذلك كثير من الأطباء ومن الغريب حقًا أن يفعل الإنسان باختياره ما يسلبه عقله، ويجعله يهرف (ويهذي) ويخوض في أودية الأوهام وما يسلبه أيضًا إرادته، حيث يصبح عبدًا للكأس وأسيرًا لها، ومدمنًا عليها . . كما قال الشاعر قديمًا.
إذا مت فادفني إلى جنب كرمة تروي عظامي بعد موتي عروقها
وما تسلبه كذلك صحته بالتدريج، حتى يصبح جسمه وكرًا لعدة أسقام.

فهذا الإدمان داء من الناحية النفسية والعصبية والبدنية ومن ناحية خطر الخمر على الأسرة . . حيث يترك السكير أهله وأولاده وهم محتاجون إلى القوت، ويشتري بنقوده ذلك الشراب المسكر الضار الخبيث، الذي يسحب الرجل من بيته، ليلقي به في الحانات والأزقة المظلمة بدلاً من أن يؤنس أسرته، ويشرف على تربية أولاده، ويزور أرحامه وأصدقائه ويعمل ما ينفعه في أمر دينه ودنياه.

وبهذا تصبح الأمة أمة من السكارى لا قيمة لها، لا تثبت في معركة، ولا تصمد أمام عدو ولا تقوم بها نهضة، أو ترتفع لها راية . . فضرر الخمر على الأفراد، وعلى الأسر والجماعات ضرر لا شك فيه والقاعدة الإسلامية المستفادة من هذه الآية الكريمة:
أن كل شيء كان ضرره أكبر من نفعه فهو حرام.

الإسلام، إنما يشرع ما كانت منفعته خالصة، أو كانت راجحة . أي نفعه أكبر من ضرره ويحرم ما كانت مضرته خالصة أو كانت راجحة.
أما متى حرمت الخمر، فنحن نعلم أن الخمر حرمت بالتدريج.

فأول ما نزل بشأنه قوله تعالى في سورة البقرة: (يسألونك عن الخمر والميسر . .) الآية . ثم قوله في سورة النساء: (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى).
ثم جاء التحريم القاطع في سورة المائدة وهو (يأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون . إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر، ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ؟). (المائدة: 9).

وهنا قال عمر رضي الله عنه: قد انتهينا يا رب.
وسورة المائدة التي تشتمل على هذه الآية قالوا إنها من أواخر ما نزل من القرآن الكريم . . . ولعلها نزلت في السنة التاسعة، أو نحو ذلك . . أي في أواخر العهد المدني.