اتفق الفقهاء على جواز خدمة الكافر للمسلم ، لأن المسلم أعلى مقاما ، فلا بأس بأن يكون مخدوما من أي أحد.

واتفقوا كذلك على حرمة خدمة المسلم للكافر خدمة مباشرة أيّاً كانت الوسيلة ، لأنه بذلك يذل نفسه ، ويجعل للكافر عليه سبيلا ، وجواز العمل له بالإجارة أو الإعارة إذا كان العمل ليس محرما ، وكان في ذمة المسلم بحيث لا يكون المسلم تحت يد الكافر في العمل ولا يستبد الكافر بعمله لحسابه وحده .

ثم اختلفوا في عمل المسلم عند الكافر بالإجارة والإعارة إذا كان عمله يمثل خدمة للكافر ، فالجمهور على عدم الجواز ، وقيل يجوز مع الكراهة على أن لا يكون المسلم تحت يد الكافر .

حكم خدمة الكافر للمسلم :

جاء في الموسوعة الفقهية :

اتفق الفقهاء على أنه يحرم على المسلم حرا كان أو عبدا أن يخدم الكافر ‏،‏ سواء أكان ذلك بإجارة أو إعارة ‏،‏ ولا تصح الإجارة ولا الإعارة لذلك ‏،‏ لأن في ذلك إهانة للمسلم وإذلالاً له ‏،‏ وتعظيما للكافر ‏،‏ واحتجوا بقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141) [النساء/141] ‏}‏ .‏
‏واتفقوا كذلك على جواز أن يؤجر المسلم نفسه للكافر في عمل معين في الذمة ‏،‏ كخياطة ثوب وبناء دار ‏،‏ وزراعة أرض وغير ذلك ‏،‏ لأن عليا رضي الله عنه أجر نفسه من يهودي يسقي له كل دلو بتمرة ‏،‏ وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فلم ينكره ‏.‏ ولأن الأجير في الذمة يمكنه تحصيل العمل بغيره ‏.‏ ‏

كما اتفقوا على أنه لا يجوز للمسلم أن يؤجر نفسه للكافر لعمل لا يجوز له فعله ‏،‏ كعصر الخمر أو حمله ورعي الخنازير وما أشبه ذلك ‏، قال ابن قدامة ‏:‏ بغير خلاف نعلمه ‏،‏ لأن عليا رضي الله عنه أجر نفسه من يهودي يستقي له كل دلو بتمرة ‏.‏ وكذا إن أجر نفسه منه لعمل غير الخدمة مدة معلومة جاز أيضا ‏.‏ ‏
‏وكذا إعارة عبد مسلم لكافر لعمل معين لا يقتضي الخدمة فهو جائز أيضا ‏.‏ ‏

وأما خدمة الكافر للمسلم ‏:‏ ‏ ‏فقد اتفق الفقهاء على جواز خدمة الكافر للمسلم ‏.‏

حكم خدمة المسلم للكافر :

واختلفوا في حكم خدمة المسلم للكافر بإجارة ‏،‏ أو إعارة أو غير ذلك ‏: ‏

فذهب الحنفية إلى جواز ذلك ، لأنه عقد معاوضة فيجوز كالبيع ‏،‏ ولكن يكره للمسلم خدمة الكافر ، لأن الاستخدام استذلال ‏،‏ فكان إجارة المسلم نفسه منه إذلالا لنفسه ‏،‏ وليس للمسلم أن يذل نفسه بخدمة الكافر ‏.‏ ‏

وأما المالكية فقد ذكر ابن رشد ‏:‏ أن إجارة المسلم نفسه من النصراني واليهودي على أربعة أقسام ‏:‏ جائزة ‏،‏ ومكروهة ‏،‏ ومحظورة ‏،‏ وحرام ‏.:

فالجائزة ‏-‏ هي ‏-‏ أن يعمل المسلم للكافر عملا في بيت نفسه ‏،‏ كالصانع الذي يصنع للناس ‏.

والمكروهة ‏:‏ أن يستبد الكافر بجميع عمل المسلم من غير أن يكون تحت يده، مثل أن يكون مقارضا له ‏ أو مساقيا ‏.

والمحظورة ‏:‏ أن يؤجر المسلم نفسه للكافر في عمل يكون فيه تحت يده كأجير الخدمة في بيته ‏،‏ وإجارة المرأة لترضع له ابنه وما أشبه ذلك ‏،‏ فهذه تفسخ إن عثر عليها ‏،‏ فإن فاتت مضت ‏،‏ وكان لها الأجرة ‏.‏

والحرام ‏:‏ أن يؤجر نفسه منه فيما لا يحل من حمل الخمر ‏،‏ أو رعي الخنازير ‏،‏ فهذه تفسخ قبل العمل ‏،‏ فإن فاتت تصدق بالأجرة على المساكين ‏.‏ ‏

‏وذهب الشافعية إلى حرمة خدمة المسلم للكافر خدمة مباشرة ‏،‏ كصب الماء على يديه ‏،‏ وتقديم نعل له ‏،‏ وإزالة قاذوراته أو غير مباشرة كإرساله في حوائجه ‏،‏ سواء كان ذلك بعقد أو بغير عقد ‏،‏ لقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141) [النساء/141] ‏}‏ .
‏ولصيانة المسلم عن الإذلال والامتهان ‏.‏ ولكن يجوز إعارة المسلم أو إجارته للكافر مع الكراهة ‏، ويؤمر بإزالة يده عنه ولا يمكن من استخدامه ‏.
‏وقيل‏ بحرمة إجارة المسلم ،‏ أو إعارته للكافر واختاره السبكي ‏.‏ ‏

وذهب الحنابلة على الرواية الصحيحة إلى حرمة إجارة المسلم ‏ أو إعارته للكافر لأجل الخدمة ‏،‏ لقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141) [النساء/141] ‏}‏ ‏.‏ ولأنه عقد يتضمن حبس المسلم عند الكافر وإذلاله له ‏.‏