من حلف على غيره أن يفعل كذا أو يتركه فإما أن يكون المحلوف عليه طاعة أو معصية فإن كان المحلوف عليه طاعة فعليه أن يبر بالقسم والإبرار بالقسم في هذه الحالة قد يكون واجبا أو مندوبا أو مكروها أو حراما تبعا للمحلوف عليه، ومن حلف على غيره ليفعل شيئا ما أو يتركه فلم يبر بقسمه، فالحالف يكون قد حنث في يمينه، وعليه الكفارة لا على من أحنثه، وقد فرق شيخ الإسلام بين من حلف على غيره وهو يظن أنه يبر بقسمه وبين غيره، ففي الأول يكون اليمين لغوا إذا لم يبر المحلوف عليه بالقسم، وفي الثاني يكون قد حنث في يمينه وعليه الكفارة .
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية ما يلي:
قد يحلف الإنسان على فعل أو ترك منسوبين إليه، نحو: والله لأفعلن أو لا أفعل، وهذا هو الغالب، وقد يحلف على فعل أو ترك منسوبين إلى غيره، كقوله: والله لتفعلن أو لا تفعل، وقوله: والله ليفعلن فلان كذا أو لا يفعله. وأحكام البر والحنث في اليمين إنما هي فيمن حلف على فعل نفسه أو تركها .
وأما من حلف على فعل غيره أو تركه مخاطبا كان أو غائبا، فإنه يتفق حكم التحنيث والإبرار فيه مع حكم الحنث والبر في بعض الصور ويختلف في بعضها، فمن حلف على غيره أن يفعل واجبا أو يترك معصية وجب إبراره ; لأن الإبرار في هذه الحالة إنما هو قيام بما أوجبه الله أو انتهاء عما حرمه الله عليه .
ومن حلف على غيره أن يفعل معصية أو يترك واجبا لم يجز إبراره , بل يجب تحنيثه ; لحديث : { لا طاعة لأحد في معصية الله تبارك وتعالى، ومن حلف على غيره أن يفعل مكروها أو يترك مندوبا فلا يبره، بل يحنثه ندبا، لأن طاعة الله مقدمة على طاعة المخلوق .
ومن حلف على غيره أن يفعل مندوبا أو مباحا، أو يترك مكروها أو مباحا فهذا يطلب إبراره على سبيل الاستحباب، وهو المقصود بحديث الأمر بإبرار القسم الذي رواه الشيخان عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (أمرنا رسول الله ﷺ بسبع: أمرنا بعيادة المريض، واتباع الجنائز، وتشميت العاطس، وإبرار القسم، أو المقسم، ونصر المظلوم، وإجابة الداعي، وإفشاء السلام) وظاهر الأمر الوجوب، لكن اقترانه بما هو متفق على عدم وجوبه – كإفشاء السلام – قرينة صارفة عن الوجوب، ومما يدل على عدم الوجوب أيضا أن النبي ﷺ لم يبر قسم أبي بكر رضي الله عنه، فقد روى الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما حديثا طويلا يشتمل على رؤيا قصها أبو بكر رضي الله عنه وجاء في هذا الحديث (أنه قال لرسول الله بأبي أنت وأمي: أصبت أم أخطأت؟ فقال: أصبت بعضا وأخطأت بعضا، قال: فوالله لتحدثني بالذي أخطأت، قال: لا تقسم)، فقوله ﷺ ” لا تقسم ” معناه لا تكرر القسم الذي أتيت به ; لأني لن أجيبك , ولعل هذا الصنيع من رسول الله ﷺ لبيان الجواز , فإنه عليه الصلاة والسلام لا يفعل خلاف المستحسن إلا بقصد بيان الجواز، وهو يدل على أن الأمر في الحديث السابق ليس للوجوب، بل للاستحباب .
والمذهب عند الحنابلة أن من حلف على غيره وهو غائب: والله ليفعلن كذا، أو على حاضر: والله لتفعلن كذا، فلم يطعه حنث الحالف والكفارة عليه لا على من أحنثه .
وقد فصل شيخ الإسلام ابن تيمية بين الحلف على من يظن أنه يطيعه، والحلف على من لا يظنه كذلك، فقال : من حلف على غيره يظن أنه يطيعه فلم يفعل، فلا كفارة لأنه لغو، بخلاف من حلف على غيره في غير هذه الحالة، فإنه إذا لم يطعه حنث الحالف ووجبت الكفارة عليه .