إن المتشدقين بالمظهرية الحضارية يرون في قطع يد السارق تشويها للإنسان، وينسون أن يد السارق أثيمة وآثمة، ولنا في رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة عندما قال: (إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)[1].

لماذا قال الرسول ذلك وهو نبي الرحمة؟ لأن رحمة النبي من رحمة الله التي أرادها الحق منعا للشر. إن الله سن العقوبة لا لتقع الجريمة؛ ولكن ليمنع أن تقع الجريمة.

إن ترويع المجتمعات بالسرقات واستنزاف أموال الناس بالباطل لهو أمر بشع ما ينبغي للمجتمع المسلم أن يتهاون فيه. إن قطع يد سارق واحد أو اثنين أو أكثر في سبيل أن يعيش مجتمع كامل في أمن وأمان لهو الرحمة المطلقة والعدل المطلق.

إن حياة مجتمع أغلى وأثمن من يد سارق تقطع عقابا له على سرقته وترويعا لغيره ممن تسول لهم أنفسهم الاعتداء على أموال الناس أو المجتمع بالباطل؛ لذلك فعلى ولي الأمر أن يقطع يد السارق مهما كان، فلا حماية لأحد بنفوذ أو جاه، ولا شفاعة لأحد في قانون وضعه الله تعالى.

إن الله تعالى لا يشرع القوانين أو يجرم الأفعال بغرض أن يعاقب أحدا بعينه، ولكن ليمنع آثار الجريمة من الإضرار بمصالح المجتمع.

إن الإنسان عندما يعيش في مجتمع يرتفع فيه شأن اللصوص، يشعر بالضياع والمهانة ويفقد القدرة على أن ينتج وأن يعمل، لذلك شرع الحق قطع يد السارق، حتى يجعل الرزق حلالا بين عباده، فيتنافسوا في الوصول إلى الرزق لهم ولمن حولهم[2].

[1] – أخرجه البخاري (6788) ومسلم (1688/8) من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها.

[2] – نقلا عن الفتاوى الكبرى للشيح محمد متولي الشعراوي، ص:824، ط: مكتبة التراث الإسلامي.