لا يوجد تعارض أبدًا بين تكليف الإنسان بالصلاة أكثر من مرة في اليوم والليلة وبين سعيه وكفاحه لطلب رزقه والانطلاق في التمتع بحياته، ذلك أن الصلوات الخمس من مميزاتها:
أولا: أنها موزعة على اليوم كله، وليست مجموعة في وقت واحد وأي أمر فيه بعض الثقل والكلفة يخف إذا كان على فترات.
وثانيا: أنها إذا أديت أداء متوسطًا لا يستغرق من وقت اليوم كله إلا جزاًء بسيطًا جدًا لا تتعدى فيها الركعات السبعة عشر أكثر من ساعة بواقع ثلاث دقائق أو أكثر أو قليلا لكل ركعة، والباقي من اليوم ليله ونهاره ثلاث وعشرون ساعة ينعم الإنسان بما ينعم ويعمل ما يعمل كما يشاء في الحدود الشرعية.
فلماذا يعترض على هذه النسبة البسيطة التي خصصت؛ لتقوية علاقة الإنسان بربه بالصلاة؟
وثالثا: لابد أن ننظر إلى الدقة في التنسيق والتوزيع التي جعل الله به لكل صلاة موعدًا محددًا من الوقت، فالصبح: ركعتان فقط، ينبهك الله بهما للقيام من نومك مبكرا؛ حتى تزاول نشاطك الدنيوي قبل أن تشرق الشمس، وقد بارك الله لأمة محمد (صلى الله عليه وسلم ) في البكور، كما قال في الحديث.
وترك الله لك فترة طويلة تباشر فيها نشاطك الدنيوي بعد الراحة الطويلة بالنوم ليلاً، ولم يطلب منك صلاة إلا بعد مرور فترة طويلة من النهار تعدل نصفه تقريبًا فيعطيك راحة من تعبك، ونشاطك المضني في كسب العيش، ويدعوك إلى شحن بطارية قلبك في الاتصال بالله وطلب العون منه، والهداية إلى الصراط المستقيم، وذلك بصلاة الظهر أربع ركعات تكفي لتقوية الروح، وتعويض التعب الجسمي براحة نفسية هي من ألزم ما يكون للنجاح في كل عمل.
فلو أحب الإنسان أن يواصل نشاطه بعد الظهر، أو يستريح بعض الوقت، عاود شحن روحه بالاتصال بربه لصلاة العصر، وعند الفرار من النشاط النهاري تكون صلاة المغرب وعند التهيؤ والسكن والراحة ينام الإنسان وهو على صلة أيضا بربه، فربما يكون هذا النوم هو وفاة صغرى آخر عهد الإنسان بهذه الحياة، ويختم الله له بالحسنى؛ ليلقاه سعيدًا مرضيًا عنه.
هذا وللنظر أن نشاط الإنسان لكسب عيشه هو نفسه تكليف من الله؛ لأن الحياة تحتاج إلى حركة، ولأجل الحرص على أداء النشاط الدنيوي الذي لابد منه للحياة الدنيا والنشاط الأخروي الذي لابد منه للحياة الباقية عند الله قال الله في ترك البيع والشراء عند سماع الآذان لصلاة الجمعة وفي العودة عند الانتهاء منها إلى النشاط الدنيوي قال:{ فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرًا لعلكم تفلحون}.(الجمعة:10)
وفي هذا القول الكريم إشعار بأن معاودة النشاط الدنيوي بعد صلاة الجمعة، لابد أن يكون مصحوبًا بضمانات تساعد على النجاح فيه وهي ذكر الله، وتذكر المعاني والقوة الدينية التي حصل عليها من الصلاة، وبالتعاون بين قوة الروح وقوة البدن يكون النجاح والفلاح.