حقُّ الحياة من أقدس الحقوق إن لم يكن أقدسها، والاعتداء عليه بالقتل جريمة من أشد الجرائم نُكرًا، وأكبرها خطرًا، فهو يُؤَدي إلى يُتم الأطفال، وترمُّل النساء، وإشاعة الفوضى والاضطراب، وهو في حقيقته تحدٍّ لشعور الجماعة، وخروج على آداب الاجتماع، والحياة بدون احترام لحقوق المجتمع أشبه بحياة الحيوانات التي تسيِّرها غرائزها وتتصرف كيف يشاء هواها.
وقد أجمعت العقول السليمة واتفقت الأديان كلُّها على استنكار الاعتداء على حياة الغيْر بدون حقٍّ، قال تعالى عقِب قصة اعتداء ولَدِ آدَمَ قَابِيل على أخيه هابيل: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّه مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) (سورة المائدة 32).
.
وقد حرَّم الإسلام القتل بدون سبب مشروع، كما حرَّمته الأديان الأخْرى فقال سبحانه: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعِمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) (سورة النساء : 93) غير أن الإسلام وهو الدين الوسط جمع إلى مبدأ العدل فى إقامة الحدود مبدأ الرحمة
فهو لا يرضى أن تسيل الدماء بغير حق، وهو لا يرضى أن تعيش الأسر على أعصابها وتتعطل مصالحها وتكثر الفتن بينها، والإسلام لا يرضى عن هذا التقليد الجاهلي المَمْقُوت الذي يعطِّل القُوى ويصرف عن العمل الجاد، ويؤدي إلى الفساد و الإفساد.
إن السبب في ذلك هو الجهل الذي لا يمحوه إلا العلم، والتعطُّل الذي لا يقضي عليه إلا العمل، والاستهانة بالقيم والقوانين التي لا يُصلحها إلا التأديب الرادع، والتستُّر على المجرمين الذي لا يمنعه إلا إحكام الرقابة وتعاون الجهود.

وإقامة الحدود ليست فوضى يقيمها من يشاء وقتما شاء وكيفما شاء ؛ ولكنها منظمة من قبل الدولة الإٍسلامية ومؤسساتها؛ وجريمة الزنا بالأخص لها من التشريعات وطرق الإثبات ما ليس لغيرها لما لها من الأثر العميق فى النفس والمجتمع.
فلنقف عند حدود الله حقنًا للدِّماء وتمكينًا للأمن، الذي هو من أكبر نِعَمِ الله على عباده، ففي ظلِّه يُحس الإنسان طعم الحياة، وينصرف إلى تكميل نفسه وتقوية مُجتمعه، ويترك وراءه جيلاً طيبًا يتحمل الأمانة بصدق، ويكون ذكرى طيبة لا تُنسى على مرِّ العصور، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (سورة المائدة : 2) وقال : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) (سورة الأنفال: 25).