يحتاج الصغير دائما للشفقة والرعاية، والأم أولى بهذه الشفقة من غيرها، فإذا تزوجت الأم من ذي محرم للطفل بقيت لها الحضانة، فإن لم تتزوج محرما انتقل حق الحضانة لجدته لأمه ثم لجدته لأبيه ثم أختها الشقيقة ثم الأقرب فالأقرب، وللحاضنة نفقة طوال مدة الحضانة، وللطفل كذلك نفقة.
يقول فضيلة الشيخ عبد الحليم محمود – رحمه الله تعالى -:
لمَّا كان الصغير في حاجة إلى الخدمة والرعاية، ومَزِيد من الشفقة والحنان، وكانت المرأة أقدر على ذلك من الرجل وهي ـ بحكم غريزة الأمومة فيها ـ أكثر حنانًا بالطفل، وأعظم شفقةً عليه، فقد جعلت الشريعة الإسلامية حق حضانة الصغير إلى الأم. وكذلك فعل القانون.
فالأم أحق بحضانة الصغير بالإجماع، وإن كانت كِتابِيَّة أو مجوسية؛ لأن الشفقة لا تختلف باختلاف الدين، ولِمَا رُوِي أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن ابني هذا كان بطني له وِعاء، وحجري له حِواء، وثدي له سِقاء، وإن أباه طلَّقني وأراد أن يَنْزِعه مني. فقال لها رسول الله ـ ﷺ ـ: “أنتِ أحقُّ ما لم تتزوجي”، ولأن الأم ـ كما قلنا ـ أشفق وأقدر على الحضانة، فكأن دفع الصغير إليها أفضل له .
وروى الإمام مالك ـ رضي الله عنه ـ في الموطأ عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال: كانتْ عند عمر امرأة من الأنصار فولدت له عاصمًا، ثم فارَقَها عمر ـ رضي الله عنه ـ فركبَ يومًا إلى قِباء، فوجد ابنه يلعب بفناء المسجد، فأخذ بعَضُده فوضعه بين يديه، فأدركتْه جدَّةُ الغلام، فنازعَتْه إياه أباه، فأقبل حتى أَتَيَا أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ فقال عمر: هذا بعضي، وقالت المرأة: ابني. فقال أبو بكر خَلِّ بينه وبينها؛ فإن ريقها خير له من شهد وعسل عندك يا عمر، قال أبو بكر ذلك والصحابة حاضرون متوافرون، فلم يُنْكِر ذلك أحد ولم يُعارِضْه عمر.
فإن لم تكن للصغير أم بأن ماتت أو تزوجت بأجنبي عن الصغير، أي بغير رحم مَحرَم منه كان حق الحضانة إلى أم الأم وإن بَعُدت؛ لأن ولاية الحضانة تُسْتَفَاد من قِبَل الأمهات؛ لِمَا ذكرنا من موفور شفقتهن، فمَن كانت تُدْلِي بأم فهي أولى ممَّن تدلي بأب، فإن لم تكن له أم الأم بأن كانت ميتة أو متزوجة بغير مَحرَم منه فالحضانة إلى أم الأب، فإن لم تكن له جدة فالحضانة للأخوات، وهن أولى من العمَّات أو الخالات؛ لأنهن أقرب للصغير، لأنهن بنات الأبوين، وتُقَدَّم الأخت لأب ولأم؛ لأنها أشفق، ثم الأخت من الأب؛ لأن الحق لهن قبل الأم، ثم الخالات أولى من العمات ترجيحًا لقرابة الأم، وتُقَدَّم الخالة الشقيقة ثم الخالة من الأم ثم الخالة من الأب، ثم العمات، ويُرَتَّبْنَ كما رُتِّبت الخالات، أي أن العمة الشقيقة أولى، ثم العمة من الأم، ثم العمة من الأب.
وكل مَن تزوَّجت من هؤلاء يسقط حقها إلا الجدة إذا كان زوجها الجد؛ لأنه يقوم مقام أبيه في الشفقة عليه، وكذلك كل زوج هو ذو رحم محرم من الصغير لقيام الشفقة؛ نظرًا للقرابة القريبة، ومَن سقط حقُّها بالتزوج يعود حق الحضانة إليها إذا ارتفعت الزوجية، فإن لم يكن للصبي امرأة من أهله انتقلت الحضانة إلى أهله من الرجال، وأَوْلَاهم بها أقربُهم تعصيبًا على الترتيب الوارد في الميراث، غير أن الصغيرة لا تُعطَى “لعصَبة” غير مَحْرَم كابن العم تحرزًا من الفتنة. أ.هـ