يقول الشيخ حسنين مخلوف ” رحمه الله ” مفتي مصر سابقا:

يصل ثواب حج الغير عن الميت إلى الميت، ففي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالت: إن أمي قد نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها ؟ قال: “حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنتِ قاضيته؟ اقضوا الله فالله أحق بالوفاء “.

وانعقد الإجماع على أن قضاء الدين عن الميت يُبرِّئ ذمته منه ويسقطه عنه ولو كان من غير تركته ومن غير ورثته.

وفي شرح العقيدة الطحاوية في وصول ثواب الحج إلى الميت ما نصه: فعن محمد بن الحسن (صاحب الإمام الأعظم أبي حنيفة) أنه إنما يصل إلى الميت ثواب النفقة، والحج للحاج. وعند عامة العلماء ثواب الحج للمحجوج عنه وهو الصحيح اهـ.

ومما ينبغي أن يُعلم أن ثواب الدعاء يصل إلى الميت من أي داعٍ بالإجماع، ولذا شُرع الدعاء في صلاة الجنازة وبعد الدفن، وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يدعو للموتى عند زيارة قبورهم كما في صحيح مسلم. وأصل ذلك قوله تعالى : (والذين جاءوا من بعدِهم يقولون ربَّنا اغفرْ لنا ولإخوانِنا الذين سبقونا بالإيمان) فأثنى الله تعالى عليهم باستغفارهم لمن سبقهم من المؤمنين، فدلَّ على انتفاعهم باستغفار الأحياء.

وكذلك يصل ثواب الصدقات إلى الموتى بالإجماع كما في الصحيحين، وفي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رجلا أتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: يا رسول الله إن أمي تُوفيت وأنا غائب عنها، فهل ينفعها إن تصدقت عنها ؟ قال: “نعم” قال: فإني أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عنها. يريد بستانه.

ومن هنا نشأت الأوقاف الخيرية التي تُخصَّص فيها صدقات على الواقفين بعد موتهم وعلى آبائهم وذريتهم ابتغاء وصول ثوابها إليهم، وهي أوقاف صحيحة شرعًا مشروعة في عهد الرسول والصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى عصرنا هذا، ويجب على من يَليها أن ينفِّذ شروطها كما أراد الواقفون ولا يعدل عنها، ويأثم ويستحق العزل إذا أخل بها. وما هي إلا خير وبر وإحسان ومعونة للمحتاجين، والنصوص الشرعية صريحة في الندب إليها والحث عليها وانتفاع الواقفين بها. وكذلك من قصدوا وصول الثواب إليهم من المسلمين. وفي الحديث: “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو ولد صالح يدعو له، أو علم يُنتفَع به “.