لا يشترط الطهر لشيء من مناسك العمرة أو الحج ، إلا شيئًا واحدًا هو الطواف،  الواجب على المرأة ألا تطوف وهي غير طاهرة، ويجب على محرمها : أن يبقى معها حتى تطهر وتطوف، ولو تخلفتما عن الحملة التي جاءو معها ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن صفية قد حاضت وهو معه كثير من المسلمين، قال: “أحابستنا هي؟” فقيل له: إنها قد طافت.

الشاهد من هذا أن ولي المرأة المرافق لها في الحج والعمرة يجب عليه انتظارها إذا طرأ عليها عذر مانع لها من الطواف حتى يزول عنها العذر، وتغتسل ثم تطوف وهي طاهر.

وهنالك رأي آخر وهو رأي الأحناف، وهو أن الطواف لا يشترط لصحته أن يكون الطائف طاهرًا ، وقد جنح شيخ الإسلام ابن تيمية إلى القول بمذهب الأحناف، فقال في المرأة التي تخشى فوات الرفقة إن هي انتظرت حتى تطهر ، إنها تستثفر (تستعمل حفاظة، أو ما في معناها)، ثم تطوف وهي على حالها.

وأما استعمال وسائل منع الحيض فهو جائز شرعا إذا لم يكن من ورائه ضرر، والمرجع في ذلك إلى الطبيبة الثقة.

ويقول الشيخ نصر فريد واصل :-

بداية فإن طوَافَ الوصول ، و هو طواف القدوم، ويُسَمَّى طوَاف التحية، أو طواف اللِّقاء، وهو الطواف الذي يقوم به الحاجُّ عَقب دخوله مَكة المُكرمة مُباشرة وهو مُحْرِم ، وهذا الطواف سُنة عند جمهور الفقهاء ، فقد ذهب إلى ذلك الأئمة الثلاثة الشافعي وأحمد وأبو حنيفة رضوان الله عليهم أجمعين؛ وذلك لأنه تحية للكعبة، فهو كتحية المسجد، وتحية المسجد ـ غير مسجد الكعبة ـ ركعتان، وهما سُنة، وقد روت السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن أوَّل شيءٍ بدأ به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين قَدِمَ مَكة أن تَوضأ ثم طَافَ بالبيت.

وهذا الحديث المروي عن عائشة يدُلنا عَلَى أنَّ تحية المسجد الحرام هي الطواف، ويُقاس هذا الطواف على تحية المسجد فيكون سُنَّة، فلو تَرَكَ الإنسان هذا الطواف لا يأثَم ولا يُعَاقَب، ويصح حَجُّه، وخُصُوصًا إذا تَرَكَهُ لِعُذْرٍ.

وذهب الإمام مالك إلى أنَّ طواف القدوم ـ وهو طواف الوصول ـ واجب على من قَدِمَ مَكة مُحْرِمًا بالحجِّ من خارج الحَرَم، ولَوْ كَانَ مُقيمًا بمكة ثم خَرَجَ إِلَيْه. وأما من أحْرَمَ بعُمرة، أو أحْرَمَ بالحجِّ من الحَرَم، فليس عليه طواف قدوم، كما لا يجب على ناسٍ ولا حائض ولا نُفساء ولا مغمًى عليه ولا مجنون، حيث بقي عُذرهم بحيث لا يمكنهم الإتيان بطواف القدوم، كما أن هذا الطواف لا يجب على من زاحمه الوقت وضاق عليه بحيث يخشى فوات الحج إذا تشاغل بطواف القدوم.

ومن هنا يمكن للمرأة ألا تخاف ولا تخشى شيئًا؛ لأنها تستطيع أن تترك الطواف عند دخولها مكة، ويمكنها أن تنتظر حتى تنتهي حالتها الخاصة وهي حالة “الطَّمث” ثم تغتسل وتتطهر، ثم يُباح لها الطواف بعد ذلك.

ولقد روى الإمام أحمد والترمذي وأبو داود عن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: “إن النُّفساء والحائض تغتسل وتُحْرِم، وتقضي المناسك كلها (أي كل أعمال الحج) غير أنها لا تطوف بالبيت حتى تَطهُر”.

ومن هذا الحديث الشريف فَهِمَ الفقهاء بالإجماع أنه يجب في الطواف حول الكعبة أن يكون الطائف طاهرًا من الحَدَث والنَّجس، فيَحْرُم طواف المُحدث حَدَثًا أصغر، وهو غير المُتوضيء، كما يَحْرُمُ طواف المُحْدِث حدثًا أكبر، وهو الجُنُب والحائض والنفساء.

ولقد قال الحديث السابق عن المرأة : “حتى تطهُر”، والمقصود بالتطهر هنا انتهاء حالة الحَيْض والاغتسال منه بعد انتهائه، وقد روت السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: دخل عليَّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنا أبكي (وكان ذلك في أثناء حجّها مع النبي) فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ أَنَفسْتِ؟ (يعني الحيْضة) قالت: نعم. قال: إنَّ هذا شيء كَتَبَه الله على بَنَاتِ آدَمَ، فاقضي ما يَقضي الحاجُّ، غير ألاّ تطوفي بالبيت (يعني الكعبة) حتى تغتسلي.

وهذا الحديث صريح في إفادته أنَّ المرأة في حالة الحيْض أو النفاس لا يجوز لها أن تطوف حول الكعبة حتى ينقطع الدم وتغتسل، فإذا جاءتها هذه الحالة في أوَّل أيام الحجِّ، فإنها تعمل كلَّ أعمال الحج ما عدا الطواف حول الكعبة، وسيكون أمامها ـ في العادة ـ مُتَّسع حتى تنتهي حالتها الطارئة، وتتمكن من أداءِ الطواف، وخُصوصًا الطواف الذي هو ركن من أركان الحجّ، وهو الذي يُسمى “طواف الإفاضة”، ويُسمى طواف الزيارة ـ يعني زيارة مكة ـ وهو الذي يكون بعد الوقوف بعَرَفَة، ويبدأ وقته عند طلوع فجر يوم النَّحْر، وهو اليوم العاشر من شهر ذِي الحِجَّة.

وإذا جَاءَت حَالة الحيْض للمَرْأة فِي أواخر أيام الحجِّ، فعليها أن تنتظر حتى تنتهي ثم تطوف طواف الإفاضة؛ ليتمَّ حجها. ويجوز لها أن تستخدم دواءً ليمتنع حيْضها حتى تستطيع الطواف. وقد سُئِلَ ابن عمر عن المرأة تشتري الدواء؛ ليرتفع حيْضها لتنفر، فلم يرَ به بأسًا، ووصف لهنَّ ماءَ الأراك .