التهرب من الضريبة:

تصيب الضريبة الإنسان في شيء عزيز عليه، وهو المال الذي زين حبه للناس، ولهذا يحاول كثيرون التهرب منها بأساليب شتى، حتى الذين يتحلون بخلق الأمانة في معاملة الأشخاص الطبيعيين، كثيرًا ما يتجردون من هذه الصفة في معاملة الحكومة، وهي شخص معنوي غير محسوس.

أسباب التهرب من الضريبة:

وسبب التهرب يرجع معظمه إلى عوامل نفسية متعددة، كحب الممول أن يبقى ماله في يديه، أو لاعتقاده أن الضريبة غير عادلة، أو لأنه لا يرى مبلغ النفع الذي يعود عليه من نشاط الدولة، أو لاعتقاده أن الحصيلة تنفق في غير الصالح العام، أو لاعتقاده أن الدولة تطلب منه أكثر مما تعطيه، أو لأن بعض الناس يتهربون من الضريبة فيفعل مثلهم لتكون هناك مساواة بينهم، أو لأنه يعوض بالتهرب من ضريبة معينة ما تحمله ظلمًا في ضريبة أخرى، إلى غير ذلك من الأسباب.
ويتسع نطاق التهرب كلما كانت الضريبة ثقيلة، ولم يتوافر اقتناع المكلفين بعدالتها من ناحية، وكذلك إن لم يطمئنوا إلى حسن إنفاقها من جهة أخرى.

أساليب التهرب من الضريبة:

وللتهرب أساليب شتى: فقد يعمد الممول إلى ما في قانون الضرائب من ثغرات، فينفذ منها إلى غرضه، وهذا يطلق عليه “التهرب المشروع” أي الذي لا يقع صاحبه تحت طائلة القانون.

وقد يكون التهرب بتقديم إقرار غير صحيح يتضمن بيانات خاطئة، لتقدر الضريبة على أساسه، وقد يكون بالامتناع عن تقديم هذا الإقرار ؛ أملاً من الممول في أن يهمله رجال الإدارة، أو يفرضوا عليه ضريبة أقل مما يجب أن يجبى منه، وقد يكون بتقدير استهلاك الآلات بأكثر من قيمتها، وقد يكون بإخفاء الشخص المادة الخاضعة للضريبة. . . إلخ.

مضار التهرب من الضريبة:

وأيًا ما كانت أسباب التهرب وأساليبه، فهو يفضي إلى نتائج سيئة من عدة أوجه:
(أ) فهو يضر بالخزانة حيث تقل به حصيلة الضرائب.
(ب) وهو يضر ببقية الممولين الذين لا يستطيعون التهرب أو لا يرتضونه، فيتحملون عبء الضريبة، حيث يفلت منه آخرون مما يؤدي إلى انعدام عدالة توزيع العبء المالي على الجميع.
(ج) وأحيانًا يؤدي إلى رفع سعر الضرائب الموجودة، أو إلى فرض ضرائب جديدة، لتعوض نقص الحصيلة الناجم عن التهرب.
(د) وهو ضار بصالح المجتمع لما في حرمان الخزانة العامة للدولة من تعطيل المشروعات النافعة.
(هـ) وهذا كله علاوة على الضرر الأخلاقي، لما في ذيوع الغش من فساد الضمائر، وذهاب الأمانة، ووهن روابط التضامن بين أفراد الأمة الواحدة.

مكافحة التهرب وتقرير ضمانات دفع الضريبة :

لهذا عمدت التشريعات المالية الحديثة إلى تقرير عدة ضمانات لمكافحة التهرب منها :
1ـ إعطاء رجال الإدارة المالية حق الاطلاع على ملفات الممول ووثائقه الإدارية الخاصة.
2ـ تكليف الممول تقديم إقرار عن أمواله التي تخضع للضريبة، مع وجوب أن يكون ممثلاً للحقيقة، وفي قوانين بعض الدول تشترط أن يؤيد الإقرار باليمين، فإن كان غير صحيح طبقت عليه العقوبة الخاصة باليمين الكاذبة.
3ـ منح مكافآت لمن يبلغ عن ممول زور في إقراره.
4ـ حجز الضريبة من المنبع ؛ كالضريبة على مرتبات الموظفين، تقتطع منهم قبل وصول الإيراد إليهم.
5ـ توقيع غرامات مالية وجنائية على المتهربين.
6ـ تقرير حق امتياز للخزانة في أموال المدين بالضريبة تتقدم به على غيرها من دائنيه (رجعنا في هذا المبحث إلى كتاب “مبادئ النظرية العامة للضريبة” للدكتورين عبد الحكيم الرفاعي وحسين خلاف طبع مكتبة النهضة المصرية).
ومع هذا كله فإن رجال المالية كثيرًا ما يعلنون عجزهم عن محاربة التهرب وخاصة بالنظر لأموال معينة يمكن إخفاؤها كلها أو بعضها ؛ لأن علاج هذه القضية في ضمير الفرد أولاً قبل نص القانون.

هل الضرائب تغني عن الزكاة:

أما كون الضرائب تغنى عن الزكاة فيقول بصدده الدكتور يوسف القرضاوى:
إن فتوى الشيخ شلتوت رحمه الله ومن سبقه من العلماء: “أن الضرائب لا تغني عن الزكاة” هي التي يطمئن إليها قلب المفتي والمستفتي، لما استندت إليه من اعتبارات شرعية صحيحة، وهي على كل حال أسلم لدين المرء المسلم، وأضمن لبقاء هذه الفريضة، وبقاء صلة المسلمين بها، حتى لا يعفى عليها النسيان باسم الضرائب، وتذروها الرياح.

صحيح أن المسلم يُرهَق من أمره عسرًا، ويتحمل ما لا يتحمله غيره من الأعباء المالية، ولكن هذه ضريبة الإيمان، ومقتضى الإسلام، وخاصة في أيام الفتن التي تذر الحليم حيران، والتي يصبح القابض فيها على دينه كالقابض على الجمر، وواجب المسلم – على كل حال – أن يعمل ويجاهد لتصحيح الأوضاع المنحرفة، وتقويم الأنظمة المعوجة، بردها إلى منهج الإسلام، ونظام الإسلام، وحكم الإسلام.

وبدون هذا سيظل الفرد المسلم مرهقًا ماليًا ونفسيًا واجتماعيًا، لأنه يعيش في مجتمع يعوقه بدل أن يعاونه، ويقف في سبيله، بدل أن يأخذ بيده، وهذا بلاء عام في كل شئون الحياة التي يطالب الإسلام فيها أبناءه بالتزام شرعي خاص، لا في الزكاة وحدها.

وإذا رأى المسلم الدولة تقوم بضمان العيش للفقراء والمعوزين، ولم يجد حوله مسلمًا محتاجًا يستحق الزكاة – كالمسلمين في أمريكا مثلاً – فلا يظن أن الزكاة حينئذ فقدت صفتها وقيمتها، فإن هناك مصارف أخرى – بيَّناها من قبل – كالدعوة إلى الإسلام، وتأليف القلوب وتثبيتها عليه، وإعداد الدعاة والمراكز التي تقوم بذلك، والجهاد العملي المنظم لتكون كلمة الله هي العليا، وهذا ما يشمله مصرف “المؤلَّفة قلوبهم” ومصرف “في سبيل الله”. فإذا لم يكن في بلده يستطيع ذلك، فليبعث بزكاته إلى أقرب البلاد إليه، مما تتوافر فيه المصارف الشرعية للزكاة.

أما ما نُقِل عن ابن تيمية ومن قبله ما ذكره النووي، ومن قبلهما ما روي عن الإمام أحمد، فذلك في واقع غير واقعنا، وفي زمن غير زمننا، في زمن كانت فريضة الزكاة فيه قائمة، يجبيها ولي الأمر في دار الإسلام، ويؤديها الشعب على وجه عام، ولو كانوا في زمننا لغيَّروا الفتوى لتغير العصر والحال ووافقوا الجمهور فيما ذهبوا إليه.

أما إننا لو أجزنا للأفراد احتساب ما يؤخذ منهم من الزكاة، لكان ذلك حكمًا بالإعدام على هذه الفريضة الدينية، فتذهب البقية الباقية منها من حياة الأفراد، كما ذهبت من قوانين الحكومات، وهذا ما لا يوافق عليه عالم من علماء الإسلام في أي زمان أو مكان.