قد يرى المرء أناساً – ممن يتمسحون بالدين، ويدَّعون الانتساب إليه، بل إلى لبه وحقيقته- يبدو عليهم الضعف والتماوت، والتخشع والتذلل والذبول، فيظن مخطئاً ومعذوراً أن هؤلاء صورة صحيحة للمؤمنين…

والواقع أن الإيمان الحق بريء من هذه الصور الزائفة، وتلك المظاهر الكاذبة. الإيمان قوة في الباطن والظاهر، في الخلق والسلوك، في المخبر والمظهر معاً.

رأى عمر رجلاً متماوتاً في صلاته، مطأطئاً رقبته، مبدياً التذلل والتخشع، فما كان منه إلا أن علاه بدرته وقال: لا تمت علينا ديننا، أماتك الله. ارفع رأسك. فإن الخشوع في القلوب ليس الخشوع في الرقاب.

وكان من كلماته المأثورة: اللهم إني أعوذ بك من خشوع النفاق. فقيل له: وما خشوع النفاق؟ قال: أن يُرى البدن خاشعاً، والقلب ليس بخاشع.

ورأت الشفاء بنت عبد الله بعض الفتيان يمشون متماوتين، فقالت في دهشة: ما هؤلاء؟
فقيل لها: هؤلاء نُسَّّاك -عُبَّّاد-
فقالت: لقد كان عمر إذا مشى أسرع، وإذا تكلم أسمع، وإذا ضرب أوجع، وكان هو الناسك حقاً.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم -مع وقاره وسمو هيبته- إذا مشى أسرع في مشيته، كأنما ينحدر من صبب.
ويقول أبو هريرة: “ما رأيت أحداً أحسن من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كأن الشمس تجرى في وجهه – ولا رأيت أحداً أسرع في مشيته منه، كأنما الأرض تطوى له، وإنما لنجهد أنفسنا، وإنه لغير مكترث”.
والله تعالى أعلم.