تحددت نظرة الفقهاء في التعامل مع الخنثى من منطلق قاعدة كونية ثابتة ، وهي أن البشر رجال ونساء فقط، ليس هناك قسم ثالث معهما، قال الله تعالى : ” { وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى } ولذلك كان لا بد من إرجاع الخنثى إلى واحد من هذين النوعين حتى يتم التعامل معه على أساس نوعه.

وقد نحا الفقهاء القدامى إلى معيار العلامات الظاهرة في تحديد نوع الخنثى لصعوبة الاطلاع بالتحاليل على التكوين الصبغي، وتحديد جنس الغدد التناسلية الداخلية.

ولما أتيح ذلك للأطباء  في عصرنا ذهبوا إلى أن تحديد نوع الخنثى يجب أن يكون على وفق هذه التحاليل، وليس على مجرد الشكل والتركيب الظاهري، ويقوم الأطباء بهذه التحاليل ليقوموا بعد ذلك بإصلاح الجهاز التناسلي ليكون أقرب إلى الحالة الطبيعية التي تتوافق مع التكوين العضوي، وحينئذٍ تجري على الحالة الأحكامُ التي توافق الجنس.

وأما إذا تعذَّر إصلاح الجهاز التناسلي، فقد رأى الأطباء حينئذ أن يعتمدوا على الشكل الظاهري للأعضاء التناسلية مع الاستئناس بالصيغة الصبغية، فيحددوا جنسه على هذا الأساس.

هذا ما قرره الأطباء بهذا الصدد، وهو تقرير وجيه لاعتماده على أهم الخصائص المميزة لكل جنس، غير أنه قد يكون مقبولا في هذه الحالة الأخيرة( حالة تعذر إصلاح الجهاز التناسلي) أن نحدد جنسه على أساس ميله هو واختياره، فكما يقول الإمام الخرقي الحنبلي: ” إن الله تعالى أجرى العادة في الحيوانات بميل الذكر إلى الأنثى وميلها إليه، وهذا الميل أمر في النفس والشهوة لا يطلع عليه غيره، وقد تعذرت علينا معرفة علاماته الظاهرة، فرجع فيه إلى الأمور الباطنة، فيما يختص هو بحكمه”انتهى.

وجاء في الموسوعة الطبية الفقهية للدكتور أحمد محمد كنعان (رئيس قسم الأمراض المعدية ):

يجب التفريق بين أشكال الخنوثة المختلفة لأجل معرفة الأحكام الفقهية التي تنطبق على الحالة من حيث الختان والميراث والنكاح والاستتار واللباس والإمامة وغير ذلك من الأحكام التي تتوقف على كونه ذكراً أم أنثى، في حقيقته لا في ظاهره، ويختلف رأي الفقهاء في هذه المسألة عن رأي الطب المعاصر لأن الحقائق التي بيناها لم تكن معروفة لدى الفقهاء في القديم:

أ ـ  رأي الفقهـاء: يقسم الفقهاء حالات الخنثى إلى نوعين:

(1)  الخنثى غير المُشْكل: وهو الذي تكون فيه علامات الذكورة أو الأنوثة واضحة بينة فيعلم أنه رجل أو امرأة ويعامل على أساسه.

(2)  الخنثى المُشْكل: وهو الذي تختلط فيه علامات الذكورة والأنوثـة فلا يعلم إن كان رجلاً أو امرأة، وحيث أُطلق لفظ ( الخنثى ) في كتب الفقه القديمة فإنه يـراد بـه الخنثى المشكل، وهو نوعان: نوع له آلتان ( فرج وذكر ) ونوع ليس له آلة بل ثقب يبول منه، وغالباً ما يتعذر الحكم على الخنثى المشكل قبل البلوغ: هل يعتبر ذكراً أم أنثى؟ فذهبوا في القديم إلى أنه قبل البلوغ يحكم عليه من حيث يبول، فإن كانت له آلتان فبال من الذكر فهو غلام، وإن بال من الفرج فهو أنثى، أما بعد البلوغ فيتبين أمره بعلامات البلوغ نفسها، فإن نبتت له لحيةٌ أو أمنى اعتبر ذكراً، أما إن ظهر له ثدي ونزل منه لبن أو حاض فهو أنثى، فإن حصل الحمل والولادة فهما دليلان قطعيان على الأنوثة.

ب  ـ رأي الطبّ: يفرّق أهلُ الطب بين نوعين من الخنوثة، ليس على أساس الشكل الظاهر فحسب كما يفعل الفقهاء، بل أيضاً على أساس التكوين العضوي الداخلي للغدد الجنسية، ولهذا قالوا بوجود نوعين من الخنوثة:

(1)  الخنثى الحقيقية: وهي التي تجمع في أجهزتها الخصيةَ والمبيضَ في الوقت نفسه، وهذه الحالة نادرة جداً.

(2)  الخنثى الكاذبة: التي تكون فيها الغـدد التناسلية مـن الجنس نفسه (إما مبايض وإما خصي) وتكون الأعضاء التناسلية الظاهرة مخالفة لجنس الغدد التناسلية التي في الداخل، وهذه الحالة ليست نادرة فهي توجد بنسبة مولود واحد من كل 25 ألف ولادة(2).

2 ـ  الأحكام التي تترتب على الخنوثة: فيها اختلاف واسع بين الفقهاء، بسبب الاختلاف في طريقة الحكم على جنس الخنثى من حيث الذكورة والأنوثة، وقد أورد الدكتور محمد علي البار عدداً من الأحاديث والروايات التي ذكرت في موضوع الخنثى، فذكر أن الأحاديث الواردة في الموضوع إما مردودة من قبل علماء الحديث، وإما أن الروايات غير صحيحة أو تناقض حقائق الطب وانتهى إلى القول: ( وبما أن أحكام الخنثى في الفقه الإسلامي مبنية على معلومات الأطباء، والتجربة والمشاهدة في عصورهم السابقة، دون الرجوع إلى الفحص النسيجي للغدة التناسلية لعـدم توافـر ذلـك آنذاك، فإن على الفقهاء أن يراجعوا هـذه الأحكام على ضوء التقدم الطبي الواسع الذي حصل في العصر الحديـث).

وقد أصبح أهل الطب اليومَ أقدر على التمييز بين حالات الخنوثة المختلفة ودرجاتها، لهذا أرى أن يُترك تحديد جنس الخنثى لرأي الطب بعد دراسة الحالة من حيث التكوين الظاهري للأعضـاء التناسلية، والتكوين الصبغي، وتحديد جنس الغدد التناسلية الداخلية إن أمكن، وبعد ذلك يمكن إصلاح الجهاز التناسلي ليكون أقرب إلى الحالة الطبيعية التي تتوافق مع التكوين العضوي، وحينئذٍ تجري على الحالة الأحكامُ التي توافق الجنس، وإذا تعذَّر إصلاح الجهاز التناسلي اعتمدنا على الشكل الظاهري للأعضاء التناسلية مع الاستئناس بالصيغة الصبغية.