الآيات القرآنية والأحاديث النبوية اقتضت التنفير الشديد من التسول، أما إذا كان الإنسان محتاجا احتياجا حقيقيا وليس عنده حل فهذا لا لوم عليه، ويكون التسول مباحا له واللوم على من قصروا في إعطائه حقه لأن الله تعالى يقول: (وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم)، أما من كان بإمكانه أن يستغني وأن يتعفف وأن يكسب لكنه آثر التسول، فهذا حكمه الكراهة الشديدة بحسب التنفير والتحذير الذي جاء في الآيات والأحاديث، فالتلاعب والكذب والتضليل واستعمال الأطفال و ما إلى ذلك، هذه كلها أعمال محرمة ولا شك في تحريمها.

التعفف : حل تربوي ثقافي:

قضية التسول هي قضية ذات وجهين لذلك فالإسلام عالجها من الوجهين معا، هي أولا مسألة تربوية وثقافية، وهي من جهة أخرى مشكلة اجتماعية، فأما المسألة التربوية والثقافية فهي ما جبلت عليه النفوس وقد يتعزز ذلك بالبيئة الاجتماعية من طمع وجشع وحب في الاستكثار وحب للمال، كما هو مصرح به في عدد من الآيات والأحاديث (وإنه لحب الخير لشديد) و (تحبون المال حبا جما) وفي الحديث: ”لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى ثالثا”، فالناس إذن كلهم أغنياؤهم وفقراؤهم لا يشبعون من هذا النهم، فالفقراء والمتوسطون قد يلجئون إلى التسول، والأغنياء يلجئون إلى الرشاوي و الاختلاسات و المكاسب المحرمة والدافع واحد هو دافع التكاثر والجشع والنهم، فهذه مسألة تربوية، معالجتها هي ما زرعه الإسلام في عقيدة المسلمين وتربيتهم وثقافتهم من اعتدال في التعلق بالمال واستهلاكه، ومن زهد وتعال على المال باعتباره مجرد وسيلة، وما زرعه بصفة خاصة في الفقراء من تحبيبهم وتوجيههم إلى التعفف، فهناك الآية التي تمدح المتعففين (لا يسألون الناس إلحافا) كما حث الإسلام على المتصدق أن يبحث عن المتعففين ويعطيهم قبل السائلين والمتسولين والملحاحين، فكل هذا تشجيع للإنسان على حفظ كرامته وتعاليه وعدم جشعه، وأن يكون ميالا إلى القناعة، وإلى البحث بنفسه عما يسد حاجاته، وهذه كلها أمور في الثقافة الإسلامية قوية تنمي في الإنسان كرامته وعزته وتعففه، هذا الجانب التربوي والثقاقي يحتاجه الفقراء والأغنياء على حد سواء.

الزكاة هي الحل الأساسي:

حث الناس على التعفف وعلى العزة والكرامة، لن يحل مشكلة الاحتياج الحقيقي، فالمتعفف إذا بقي جائعا لن يحل مشكلته بالتعفف، ويؤكد على أن العاجزين عن العمل والإنتاج، كبعض المعاقين وبعض العجزة وبعض الأطفال الصغار، هم الذين نسمي قضيتهم مشكلة اجتماعية حقيقية، وهي التي اعتنى الإسلام بحلها وذلك بالزكاة، فهناك حلول تكميلية وإضافية وعابرة لكن الزكاة هي الحل الأساسي، وكما يقول عدد من العلماء: ”لن يكون هناك فقير ومحتاج و محروم إلا بقدر ما يقع من تعطيل الزكاة في المجتمع” لأن الزكاة هي الحل الأساسي فهي أولا فريضة و ليست تطوعا ولا تبرعا ولا استحبابا ولا فضيلة من الفضائل التي يدعى الناس إليها ثم يتركون إلى أريحيتهم؛ بل هي فريضة كبرى وركن من أركان الإسلام كما هو معروف؛ و لها مهابة وإلزامية كبيرة جدا دينيا ودنيويا، وهي الحل الحقيقي لمشكلة كبرى هي مشكلة الاحتياج والفاقة، إذا نفذ وطبق هذا الركن فهو العلاج الجذري.