الراجح في حكم التدخين هو القول بحُرمته أو كراهته؛ نظرًا إلى ما عُرف عنه من أنه يُحدث ضعفًا في الصحة، ويُعرِّضها للخلل والاضطراب، والتدخين ولا شك أنه أذًى وضارٌّ بالنفس والمال، والإيذاء والضرر خُبْثٌ يُحظر به الشيء في نظر الإسلام، وحُكم الإسلام على الشيء بالحُرمة أو الكراهة لا يتوقف على وُجود نصٍّ خاص بذلك الشيء، فحيث كان الضرر كان الحظْر، وحيث خلُص النفع أو غلب كانت الإباحة، وإذا استوى النفْع والضرر كانت الوقاية خيرًا من العلاج ، والصلاة في مخازن الدخان وحقوله صحيحة ، فلا تَلازم بين حُرْمَةِ تناوُل الشيء أو كراهته وبين نجاسته .
يقول فضيلة الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق رحمه الله (1893-1963م) ردا على سؤال مماثل :
إن التبْغ لم يُعرف في بلاد المسلمين إلا في أوائل القرن الحادي عشر من التاريخ الهجري، أيْ مِن نحو: أربعة قرونٍ تقريبًا. ومِن هنا لم يُؤثر عن أحدٍ من الأئمة المُجتهدينَ ـ فضلًا عمَّن تقدَّمَهم ـ رأيٌ في حُكمه، لا بالحِلِّ ولا بالحُرمة.
وقد تكلَّم في حُكمه علماء الوقت الذي ظهر فيه، ولم يتَّفقوا في نظرتهم إليه شأنهم في كل جديدٍ لم تُعرف حِكمتُه وقت التشريع، فحَكم بعضهم بحِلِّهِ؛ نظرًا إلى أنه ليس مُسكرًا، ولا مِن شأنه أن يُسكر، ونظرًا إلى أنه ليس ضارًّا لكلِّ مَن يتناوله. والأصل في مثله أن يكون حلالًا ولكن تطرأ عليه الحُرمة بالنسبة فقط لمَن يضرُّه ويتأثَّر به.
رأيُ القائلينَ بالحُرْمة أو الكراهة رأيٌ قويٌّ:
وحَكم بعضٌ آخر بحُرمته أو كراهته؛ نظرًا إلى ما عُرف عنه من أنه يُحدث ضعفًا في صحة شاربه، يُفقده شهوةَ الطعام، ويُعرِّض أجهزته الحيوية أو أكثرها للخلل والاضطراب. وخاصةً جهاز القلب والرئتينِ.
ومِن قواعد الإسلام العامة أنه يُحرِّم ما يُحرِّم حِفْظًا للعقيدة أو للعقل أو للمال أو للعِرْض. وأنه بِقَدْر ما يكون للشيء مِن إضعاف ناحية من هذه النواحي، يكون تحريمه أو كراهته، فما عظُم ضرَرُه عظمت حُرمته، وما قلَّ ضررُه قلَّتْ حُرمتُه.
والإسلام يرى أن الصحة البدنية لا تقلُّ في وُجوب العناية بها عن ناحية العقل والمال، وكثيرًا ما حرَّم الإسلام المباح إذا كان مِن شأنه أن يَغلب ضررُه، بل نراه يُحرِّم العبادة المَفروضة إذا تيقَّن أنها تَضُرُّ أو تُضاعِفُ الضَّرَرَ.
أضرار الدخان في الصحة والمال تقتضي حظْره:
وإذا كان التبْغ لا يُحدث سُكرًا، ولا يُفسد عقلًا، غير أنَّ له آثارًا ضارة، يُحِسُّها شاربه في صحته، ويُحسها فيه غيرُ شاربه. وقد حلَّل الأطباء عناصره وعرفوا فيها العنصر السامَّ الذي يقضي ـ وإنْ كان ببطء ـ على سعادة الإنسان وهنائه. وإذنْ فهو ولا شك أذًى وضارٌّ. والإيذاء والضرر خُبْثٌ يُحظر به الشيء في نظر الإسلام.
وإذا نظرنا مع هذا إلى ما يُنفَق فيه من أموال، كثيرًا ما يكون شاربه في حاجة إليها، أو يكون صرْفها في غيره أنفع وأجدَى، إذا نظرنا إلى هذا الجانب عرفنا له جهة ماليةً تقضي في نظر الشريعة بحظره وعدم إباحته.
ومن هنا نعلم ـ أخذًا من معرفتنا الوثيقة بآثار التبغ السيئة في الصحة والمال ـ أنه ممَّا يَمْقُتُهُ الشرع ويكرهه، وحُكم الإسلام على الشيء بالحُرمة أو الكراهة لا يتوقف على وُجود نصٍّ خاص بذلك الشيء، فلعلل الأحكام وقواعد التشريع العامة قيمتُها في معرفة الأحكام، وبهذه العلل وتلك القواعد كان الإسلام ذا أهليةٍ قوية في إعطاء كل شيء يستحدثه الناس حُكْمَه مِن حِلٍّ أو حُرْمةٍ. وذلك عن طريق معرفة الخصائص والآثار الغالبة للشيء، فحيث كان الضرر كان الحظْر، وحيث خلُص النفع أو غلب كانت الإباحة، وإذا استوى النفْع والضرر كانت الوقاية خيرًا من العلاج.
هذا هو حُكم التبْغ في شربه، وهو حُكمه في زراعته وصناعته ما لم تُعرف له فوائد أخرى غير شُربه.