اللجوء إلى التحكيم جائز في غير الحدود والقصاص وقد دل على جوازه الكتاب والسنة، ومتى اختار طرفي النزاع اللجوء إلى التحكيم فإن حكم المحكّم لازم للمتخاصمين ، ولا يصح شرعاً رفض حكم المحكّم من قبل أحد المتخاصمين متى كان الحكم موافقا للأصول الشرعية، وينبغي أن يكون المحكّم أو المحكّمين من أهل العلم والخبرة في الشرع وفي القضية التي هي محل التحكيم ، ومن العلماء من يشترط في المحكّم أن يكون أهلاً للقضاء . وينبغي أن لا يكون المحكّم قريباً لأحد المتخاصمين ، قرابة تمنع الشهادة ، حتى يكون أقرب إلى العدل ، وأبعد عن التهمة.

يقول فضيلة الدكتور حسام عفانه – أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:

إن التحكيم بين الناس في الخصومات مشروع بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وثابت عن الصحابة والتابعين.

فمن كتاب الله قوله تعالى: ( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا) سورة النساء /35 . وهذه الآية نص صريح في إثبات التحكيم كما قال القرطبي في تفسيرها ، تفسير القرطبي 5/179 .

ومن السنة النبوية ما رواه البخاري في صحيحه في قصة تحكيم سعد بن معاذ رضي الله عنه في يهود بني قريظة ، وقد رضي الرسول صلى الله عليه وسلم بسعدٍ رضي الله عنه حكماً . وكذلك ما رواه أبو داود بسنده عن يزيد بن المقدام عن شريح عن أبيه عن جده شريح عن أبيه هانئ: ( أنه لما وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومه ، سمعهم يكّنونه بأبي الحكم ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله هو الحكم وإليه الحكم ، فلم تكنّى أبا الحكم ؟ فقال : إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرضي كلا الطرفين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أحسن هذا فما لك من الولد ؟ قال : لي شريح ومسلم وعبد الله قال فمن أكبرهم؟ قال: قلت شريح فقال : أنت أبو شريح ) ورواه النسائي أيضاً ، وقال الشيخ الألباني: صحيح ، إرواء الغليل 8/237 .

وقد وقعت حوادث كثيرة في زمن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يحكّمون فيها بين المتخاصمين ، فمن ذلك ما وقع لعمر رضي الله عنه حين ساوم على فرس لرجل فركبه فعطب الفرس ، فقال عمر للرجل: خذ فرسك ، فقال الرجل : لا ، فقال: اجعل بيني بينك حكماً ، فقال الرجل: شريح فتحاكما إليه …. الخ ” رواه ابن سعد في الطبقات ، وقال الشيخ الألباني : رجاله ثقات ، رجال الشيخين إلا أن الشعبي لم يدرك عمر ، وغير ذلك من الآثار .

وإذا ثبت هذا فأقول: إن حكم المحكّم أو المحكّمين لازم للمتخاصمين ، ولا يصح شرعاً رفض حكم المحكّم أو المحكّمين من قبل أحد المتخاصمين ، وهذا مذهب جمهور أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية في القول المعتمد عندهم ، والحنابلة ، وهو قول الظاهرية ، ونقل عن جماعة من السلف. ويدل على هذا ، أن المتخاصمين ما داما قد قبلا بالتحكيم ورضيا بالمحكّم أو المحكّمين فلا بد لهما من قبول الحكم الذي يصدر عن المحكّم أو المحكمين . ولولا أن حكم المحكّم لازم للمتخاصمين لما كان للترافع إليه أي معنىً ، قياساً على الحاكم المولّى من ولي الأمر .

وقد جاء في المادة 1448 من مجلة الأحكام العدلية ما يلي : “كما أن حكم القضاة لازم الإجراء في حق جميع الأهالي الذين في داخل قضائهم كذلك حكم المحكّمين لازم الإجراء ، على الوجه المذكور في حق من حكّمهم وفي الخصوص الذي حكموا به ، فلذلك ليس لأي واحد من الطرفين الإمتناع عن قبول حكم المحكّمين بعد حكم المحكّمين حكماً موافقاً لأصوله المشروعة” .

ومما ينبغي التنبيه عليه ، أن حكم المحكّم أو المحكّمين يكون مقبولاً إذا كان موافقاً للأصول الشرعية ، وينبغي أن يكون المحكّم أو المحكّمين من أهل العلم والخبرة في الشرع وفي القضية التي هي محل التحكيم . ومن العلماء من يشترط في المحكّم أن يكون أهلاً للقضاء . وينبغي أن لا يكون المحكّم قريباً لأحد المتخاصمين ، قرابة تمنع الشهادة ، حتى يكون أقرب إلى العدل ، وأبعد عن التهمة .