أنواع التحصينات :

خلص الدكتور علي بن سعيد العبيدي في دراسة أعدها إلى أن الإسلام سبق إلى وضع التدابير الوقائية من الأوبئة والأمراض، وأن هذه التحصينات تنقسم إلى قسمين :

1 – تحصينات شرعية مادية بحتة، وهذه يستفيد منها المسلم وغير المسلم.

2 – تحصينات شرعية إلهية معنوية، وهذه لا يستفيد منها إلا المسلم الموحد؛ لأنها ثمرة من ثمرات التوحيد.

التحصينات الشرعية الوقائية المادية :

اهتم الإسلام بالجانب الوقائي فيما يتعلق بالأمراض بصفة عامة، وبالوبائية منها بصفة خاصة، ومن مظاهر هذا الاهتمام:

1.   نهيه عن دخول الأرض الموبوءة أو الخروج منها.

وذلك لحصر الوباء فلا تتسع دائرته، وهو ما يعرف في الطب الحديث بالحجر الصحي، قال صلى الله عليه وسلم: «الطاعون رجس أرسل على طائفة من بني إسرائيل أو على من كان قبلكم، فإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه».[1]

ولذا لم يجز بعض العلماء السفر إلى البلدان الموبوءة أو الخروج منها إلا لغرض صحيح.

2.   نهيه المريض أن يقدم على الصحيح.

وذلك لتضييق دائرة المرض المعدي، والذي قد ينتقل بالمخالطة إلى الأصحاء فيمرضهم بمشيئة الله وإرادته، قال صلى الله عليه وسلم:«لا يورد ممرض على مصح»[2]، وعليه فلا يجوز لمن أصيب بمرض وبائي مخالطة الأصحاء، ولا غشيان أماكن تجمعاتهم، خاصة أماكن العبادة التي يجتمع فيها الناس، لما قد يلحقه بهم من ضرر.

3.أمره بالابتعاد عن بعض أصحاب الأمراض المعدية بأفظع عبارة.

وذلك من باب الأخذ بأسباب الوقاية مما جعله الله سببا للإصابة بالمرض عند المخالطة إذا شاء الله سبحانه، كما في قوله صلى الله عليه وسلم:«فر من المجذوم فرارك من الأسد»[3]

ولما جاء وفد ثقيف لمبايعة النبي صلى الله عليه وسلم كان معهم رجل مجذوم، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم: «إنا قد بايعناك فارجع».[4]

وما ذاك إلا لأن الجذام مرض معدٍ بالتجربة والمشاهدة، والمجذوم حقه العزل عن الناس.

4- أمره العاطس بأن يضع كفيه على وجهه.

وذلك أن العاطس قد يتطاير من فمه ما يؤذي الجلساء، أو يلوث الهواء، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا عطس أحدكم فليضع كفيه على وجهه، وليخفض صوته»[5]

ويتأكد هذا الأمر متى ما كان الإنسان مصابا بمرض معد كالزكام وأنفلونزا الخنازير مثلا وغيرها، فيضع كفيه على وجهه، وقد يستعين لذلك بكمامات أو منديل أو شماغ ونحوه، حتى لا يتطاير الرذاذ في الهواء، أو يقع على المسطحات فتنتقل العدوى إلى الأصحاء بمشيئة الله وإرادته.

وللإسلام أساليب أخر تربوية راقية في التصرفات والأفعال، ويصح أن تكون وسائل وقائية يقوم بها المرء حال الشرب و البصاق، و قبل تناول الطعام وبعده، ويحترم فيها ما يشترك فيه الناس من المياه والطرق والظل، ويتأكد العمل بها عند ظهور المعديات لما قد يترتب على التفريط فيها من ضرر ذاتي أو متعدٍّ.

فما أعظم الإسلام، وما أعظم ما جاء به من تعاليم للحفظ على صحة البشرية وإسعادها.

وقد صدقت الباحثة البولونية يوجينا غيانة ستشيجفسكا – المتخصصة في الدراسات القانونية – إذ قالت:”إنّ القرآن الكريم مع أنّه أنزل على رجل عربيّ أُمّي نشأ في أمّة أميّة، فقد جاء بقوانين لا يمكن أن يتعلمها الإنسان إلاّ في أرقى الجامعات”[6]  وكذا القول في  السنة فيما يتعلق بالأدوية الطبية الطبيعية.

فعلى المسلم أن يجمع في التحصن والتداوي من الأمراض والآفات والشرور بين الأسباب المادية والمعنوية التي جاءت بها الشريعة قدر طاقته، ولا يهمل سببًا مع إمكانه الأخذ به، فمن فعل ذلك فحري به أن يدفع الله عنه البلاء فلا يصيبه،أو يرفعه عنه إن نزل به، ثم يفوض أمره بعد ذلك إلى لله تعالى، فإن الأخذ بهذه وهذه من تمام التوكل الصحيح، ولو لم يجنِ المسلم من ذلك إلا طمأنينة القلب وراحة النفس وإحياء السنة لكفى بها نعمة.

التحصينات الشرعية الإلهية المعنوية :

والمقصود بها  تلك الأذكار النبوية ، التي بين النبي صلى الله عليه وسلم أنها يستدفع بها الشرور والأضرار والأمراض والمصائب، من مثل قوله صلى الله عليه وسلم : ” من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه”[7] وكذلك قراءة أذكار الصباح والمساء ودعاء الخروج من المنزل، والأذكار كثيرة جدا يحسن بالمسلم أن يراجعها في كتب الأذكار.

كيف نحقق أكبر فائدة من التحصينات :

لكي نحقق أكبر فائدة من تلكم التحصينات علينا بالآتي:

أولا: بالنسبة للتحصينات الشرعية المادية:

علينا أن نأخذ بأسباب الوقاية التي تجنبنا المكاره على اختلافها وتنوعها، ومنها انتقال الأمراض المعدية والوبائية منها خاصة، وقد ذكر أهل الاختصاص من الأطباء في الوقاية من الأوبئة أمورا أصبحت مشهورة عند كثير من الناس، لانتشار منشوراتها في المدارس والجامعات والمساجد والأماكن العامة، فلنأخذ بها ولا نهملها وهذا من تمام التوكل،  وقد تقدم أن مثل هذه التحصينات قد جاءت الشريعة بأصولها على أكمل وجه وأتم صورة.

ثانيا: بالنسبة للتحصينات الشرعية الإلهية علينا الآتي:

1.   قولها بحضور يتواطأ فيه القلب مع اللسان.

2.   قولها مع اليقين ببركتها ونفعها.

3.   الالتزام بأعدادها، وكيفياتها، وأوقاتها.

4.    اعتقاد أنها سبب وأنها لا تؤثر بذاتها.

5.    تفويض الأمر بعد ذلك إلى الله تعالى.

هل من الممكن أن يتخلف تأثير التحصينات أو ينعدم :

نعم؛ والأمر كما قال ابن القيم:”الأدعية والتعوذات بمنزلة السلاح، والسلاح بضاربه لا بحده فقط، فمتى كان السلاح سلاحا تاما لا آفة به، والساعد ساعدا قويا، والمانع مفقودا، حصلت به النكاية في العدو، ومتى تخلف واحد من هذه الثلاثة تخلف التأثير، فإن كان الدعاء في نفسه غير صالح، أو الداعي لم يجمع بين قلبه ولسانه في الدعاء، أو كان ثم مانع من الإجابة لم يحصل الأثر”[8]

وقال أيضا:” فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية، وأدواء الدنيا والآخرة، وما كل أحدٍ يُوفَّق للاستشفاء به، وإذا أحسن العليل التداوي به، ووضعه على دائه بصدق وإيمان، وقبول تام، واعتقاد جازم، واستيفاء شروطه لم يقاومه الداء أبدًا، وكيف تقاوم الأدواء كلام رب الأرض والسماء، الذي لو نزل على الجبال لصدَّعها، أو على الأرض لقطعها[9]

هل يلزم أن تقال جميع التحصينات في كل مرة لتحصيل الفائدة :

لا يلزم، لكن التحصينات المتعلقة بأوقات معينة أو مناسبات معينة فإنها تقال فيها، والأكمل أن نواظب على ما نستطيع من التحصينات، فمن يقاتل بسلاحين أو ثلاثة أكمل ممن يقاتل بسلاح يتيم، وقد يكفي من التحصينات قراءة الإخلاص والمعوذتين ثلاث مرات صباحا، وثلاث مرات مساء مع اليقين وحضور القلب.

من أحوج الناس التحصينات :

الجميع بحاجة إليها بلا استثناء؛ لدفع المكاره أو رفعها وتخفيفها، وعندما تظهر الأوبئة فمن يكون على احتكاك مباشر بالجماهير أكثر حاجة إليها، كالأطباء، والمعلمين، والطلاب، ومن يغشاهم الناس لحاجاتهم.

[1] -أخرجه البخاري في الأنبياء (3286).

[2] – أخرجه البخاري في الطب(4537).

[3] – أخرجه أحمد(9722)، والبيهقي في الكبرى(13550)، وأورده الألباني في الصحيحة (873) وصححه.

[4] –   أخرجه مسلم في السلام(2231).

[5] – أخرجه الحاكم(7684)، والبيهقي في الشعب(9353)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع(685).

[6] – قالوا عن الإسلام (ص68).

[7] – أخرجه البخاري في فضائل القرآن(4722)، ومسلم في صلاة المسافرين(1914).

[8] – الجواب الكافي(8).

[9] –زاد المعاد(4/322).