البكاء من خشية الله فضله عظيم فإنه يأخذ صاحبه إلى رحمة الله ومغفرته ورضوانه ففي الحديث الذي رواه الترمذي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ).

والبكاء من خشية الله وبسبب تذكر الآخرة ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يبطل الصلاة سواء كان البكاء بصوت أو دونه، وكذلك البكاء والتأوه إذا كان بسبب مرض فإنه لا يبطل الصلاة، وخالف في ذلك الشافعية وقالوا إن البكاء تبطل به الصلاة مطلقا أيا كان سببه..

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:

ذهب الحنفية والشافعية إلى أن الأنين والتأوه والبكاء ونحوه إن ظهر به حرفان بطلت الصلاة. واستثنى الحنفية المريض الذي لا يملك نفسه فلا تبطل صلاته بالأنين والتأوه والتأفيف والبكاء، وإن حصل حروف للضرورة. قال أبو يوسف: إن كان الأنين من وجع، مما يمكن الامتناع عنه يقطع الصلاة، وإن كان مما لا يمكن لا يقطع، وعن محمد إن كان المرض خفيفا يقطع، وإلا فلا، لأنه لا يمكنه القعود إلا بالأنين. قال ابن عابدين: لكن ينبغي تقييده بما إذا لم يتكلف إخراج حروف زائدة، كما استثنى الحنفية البكاء من خوف الآخرة وذكر الجنة والنار فإنه لا تفسد به الصلاة، لدلالته على الخشوع.

فلو أعجبته قراءة الإمام فجعل يبكي ويقول : بلى أو نعم لا تفسد صلاته , قال ابن عابدين نقلا عن الكافي: لأن الأنين ونحوه إذا كان بذكرهما صار كأنه قال: اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار، ولو صرح به لا تفسد صلاته، وإن كان من وجع أو مصيبة صار كأنه يقول : أنا مصاب فعزوني ولو صرح به تفسد.

ولم يفرق الشافعية بين أن يكون البكاء من خوف الآخرة أم لا في بطلان الصلاة.

وذهب المالكية إلى جواز الأنين لأجل وجع غلبه، والبكاء لأجل الخشوع، سواء كان قليلا أو كثيرا، فإن لم يكن الأنين والبكاء من غلبة فيفرق بين عمده وسهوه، قليله وكثيره , فالعمد مبطل مطلقا قل أو كثر، والسهو يبطل إن كان كثيرا ويسجد له إن قل. قال الدردير : وهذا في البكاء الممدود وهو ما كان بصوت، وأما المقصور، وهو ما كان بلا صوت فلا يضر ولو اختيارا ما لم يكثر.

ومثل المالكية مذهب الحنابلة فصرحوا بعدم بطلان الصلاة بالبكاء خشية من الله تعالى، لكونه غير داخل في وسعه، ومثله ما لو غلبه نحو سعال وعطاس وتثاؤب وبكاء، ولو بان منه حرفان، قال مهنا: صليت إلى جنب أبي عبد الله فتثاءب خمس مرات وسمعت لتثاؤبه: هاه , هاه . وذلك لأنه لا ينسب إليه ولا يتعلق به حكم من أحكام الكلام . إلا أنه يكره استدعاء بكاء وضحك لئلا يظهر حرفان فتبطل صلاته.