اشترط الفقهاء تعيين الزوجين في عقد النكاح حتى يعرف الطرفان فلا يقع نزاع ، وحتى يعرف الشهود من المقصود بالعقد، فإذا لم يكن بالعقد تعيين للطرفين أو لأحدهما فعلام يشهد الشهود.

ويتصور ذلك فيما إذا كان لرجل بنتان فقال في العقد للعريس : ” زوجتك بنتي دون أن يشير إليها أو يسميها” ففي هذا القول جهالة للعاقدين وللشهود، فلا بد أن يتم تعيين الزوجة هنا بالتسمية أو الإشارة كما يتصور في غير ذلك من المسائل.

فلو ذكر ولي الزوجة ضمير الزوج بالغيبة فقال : ” زوجته موكلتي” فكيف يغيب وهو حاضر، وكيف يحضر وهو غائب. فقبول الولي هنا يتجاذبه أمران:  كلامه الموجه للعريس الحاضر، وخطابه الموجه للغائب، فعلى أيهما يحمل الكلام؟

و كلام معظم الفقهاء في هذه المسألة شديد، ففيالمذهب الحنفيمثلا : ” ولو كان له بنتان وأراد تزويج الكبرى فغلط فسماها باسم الصغرى صح للصغرى بأن كان اسم الكبرى عائشة والصغرى فاطمة , فقال زوجتك بنتي فاطمة وهو يريد عائشة فقبل , انعقد على فاطمة , وهذا إذا لم يصفها بالكبرى , فلو قال زوجتك بنتي الكبرى فاطمة قالوا : يجب أن لا ينعقد العقد على إحداهما ; لأنه ليس له ابنة كبرى بهذا الاسم , ولا تنفع النية هنا ولا معرفة الشهود بعد صرف اللفظ عن المراد .” فقد أخطأ الولي هنا،فسمى الصغرى وأراد الكبرى، فقال : ” زوجتك بنتي الكبرى فاطمة” مع أنه ليس له بنت كبرى اسمها فاطمة ، ففاطمة هي الصغرى، فقد أبطل الحنفية  هنا هذا النكاح ؛ لأن لفظ الكبرى يقتضي واحدة، ولفظ فاطمة يقتضي الأخرى، فعلى أيتهما يحمل كلامه؟

واضح أن هنا قرينتان تدلان على الفتاة المقصودة، هما : الشهود والنية، ولم يعتبر الحنفية أيا من القرينتين، فالشهود لا يطلعون على النية، والنية مالم تحدد بالألفاظ فإنها مرشحة للنزاع.

وبنحو ذلك قال الحنابلة، قالوا : ” لأن النكاح تعتبر فيه الشهادة على وجه يمكن أداؤها إذا ثبت به العقد , وهذا متعذر في النية , ولذلك لو قال : زوجتك ابنتي وله بنات لم يصح حتى يميزها بلفظه “. انتهى.

والمذهب الشافعي أرحب المذاهب في المسألة، فالنية عندهم كافية مجزئة رافعة للالتباس، قالوا : ” …. ولو سمى البنت المذكورة بغير اسمها أو غلط في حدود الدار المذكورة , أو قال : زوجتك هذا الغلام , وأشار إلى البنت التي يريد تزويجها صح كل من التزويج والبيع .

أما فيما لا إشارة فيه فلأن كلا من البنتية والدارية صفة لازمة مميزة , فاعتبرت ولغا الاسم كما لو أشار إليها وسماها بغير اسمها .

وأما فيما فيه إشارة فتعويلا عليها , ولو كان اسم بنته الواحدة فاطمة , فقال : زوجتك فاطمة , ولم يقل بنتي لم يصح النكاح لكثرة الفواطم , لكن لو نواها صح عملا بما نواه كما قاله البغوي فإن قيل : يشترط في صحة العقد الإشهاد والشهود لا اطلاع لهم على النية ؟. أجيب بأن الكناية مغتفرة في ذلك كما مر. انتهى.

على أننا لسنا في حاجة إلى هذا التقرير؛ لأن نماذج العقود- ومنها عقد النكاح- قد صاغتها القوانين في نماذج رسمية، وما بقي أمام المتعاقدين سوى التوقيع، وهذا التوقيع منهما بمثابة الإيجاب والقبول، أي أنه لم يعد هناك حاجة لتلاوة الصيغة، وحسبهما التوقيع.

وهذا واقع مستمر في كل العقود القانونية مهما عظمت ، ولعل أخطرها عقد التوكيل العام، الذي يملك الوكيل بمقتضى العقد أن يبيع للموكل ويشتري له ويتنازل عنه في القضايا والأحكام والأموال وغيرها…. وكل ما يحدث أن الطرفين يقومان بالتوقيع على عقد التوكيل في ساحة التوثيق دون أن يتلفظا بشيء ويلتزما بمقتضاه.

فكذاك في عقد الزواج، قد قام ولي الزوجة بالتوقيع على تزويجه وكيلته لك أنت لا لغيرك، كما قمت أنت بالتوقيع على ذلك، وقام الشاهدان بالتوقيع على ذلك، وهذا التوقيع هو الإيجاب والقبول حتى لو لم تتلوا الصيغة أمام الناس، ولكن القاضي الشرعي ( المأذون) يجري الصيغة بين الطرفين مسايرة لعرف الناس مع أنهم في غنى عن ذلك، حتى إن المأذون في هذه الأيام يعيد الصيغة مرة ثانية في المسجد تحت اسم الإشهار مع أنه قد سبق له أن زوجها فعلا بالشهود، ولكنه الناس يحرصون على إبقاء هذه المراسم.