‏يقع الإخلال بالتجويد إما في أداء الحروف ‏,‏ وإما فيما يلابس القراءة من التغييرات الصوتية المخالفة لكيفية النطق المأثورة ‏.‏ ‏

‏فالنوع الأول يسمى ‏(‏ اللحن ‏)‏ أي الخطأ والميل عن الصواب ‏,‏ وهو نوعان ‏:‏ جلي وخفي ‏.‏ ‏

‏واللحن الجلي ‏:‏ خطأ يطرأ على الألفاظ فيخل بعرف القراءة ‏,‏ سواء أخل بالمعنى أم لم يخل ‏.‏ وسمي جليًا لأنه يخل إخلالاً ظاهرًا يشترك في معرفته علماء القرآن وغيرهم ‏,‏ وهو يكون في مبنى الكلمة كتبديل حرف بآخر ‏,‏ أو في حركتها بتبديلها إلى حركة أخرى أو سكون ‏,‏ سواء أتغير المعنى بالخطأ فيها أم لم يتغير ‏.‏ ‏

‏وهذا النوع يحرم على من هو قادر على تلافيه ‏,‏ سواء أوهم خلل المعنى أو اقتضى تغيير الإعراب ‏.‏ ‏

‏وأما اللحن الخفي ‏:‏ فهو خطأ يطرأ على اللفظ ‏,‏ فيخل بعرف القراءة ولا يخل بالمعنى ‏.‏ وسمي خفيًا لأنه يختص بمعرفته علماء القرآن وأهل التجويد ‏.‏ وهو يكون في صفات الحروف ‏,‏ وهذا اللحن الخفي قسمان ‏:‏ ‏
‏أحدهما ‏:‏ لا يعرفه إلا علماء القراءة كترك الإخفاء ‏,‏ وهو ليس بفرض عين يترتب عليه عقاب كما سبق ‏,‏ بل فيه خوف العتاب والتهديد ‏.‏ ‏

والثاني ‏:‏ لا يعرفه إلا مهرة القراء كتكرير الراءات وتغليظ اللامات في غير محلها ‏,‏ ومراعاة مثل هذا مستحبة تحسن في حال الأداء ‏.‏ ‏

‏وأما النوع الثاني من الإخلال فهو ما يحصل من الزيادة والنقص عن الحد المنقول من أوضاع التلاوة ‏,‏ سواء في أداء الحرف أو الحركة عند القراءة ‏,‏ وسبب الإخلال القراءة بالألحان المطربة المرجعة كترجيع الغناء ‏,‏ وهو ممنوع لما فيه من إخراج التلاوة عن أوضاعها الصحيحة ‏,‏ وتشبيه القرآن بالأغاني التي يقصد بها الطرب ‏.‏ ‏

‏واستدلوا لمنع ذلك بحديث عابس رضي الله عنه قال ‏:‏ إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏:‏ ‏{‏ بادروا بالموت ستًا ‏:‏ إمرة السفهاء ‏,‏ وكثرة الشرط ‏,‏ وبيع الحكم ‏,‏ واستخفافًا بالدم ‏,‏ وقطيعة الرحم ‏,‏ ونشئًا يتخذون القرآن مزامير يقدمونه يغنيهم ‏,‏ وإن كان أقل منهم فقهًا ‏}‏ ‏.‏ ‏

‏قال الشيخ زكريا الأنصاري ‏من فقهاء الشافعية :‏ والمراد بلحون العرب ‏:‏ القراءة بالطبع والسليقة كما جبلوا عليه من غير زيادة ولا نقص ‏,‏ والمراد بلحون أهل الفسق والكبائر ‏:‏ الأنغام المستفادة من علم الموسيقى ‏,‏ والأمر في الخبر محمول على الندب ‏,‏ والنهي على الكراهة إن حصلت المحافظة على صحة ألفاظ الحروف ‏,‏ وإلا فعلى التحريم ‏.‏ ‏

‏قال الرافعي من فقهاء الشافعية ‏:‏ المكروه أن يفرط في المد وفي إشباع الحركات ‏,‏ حتى يتولد من الفتحة ألف ومن الضمة واو ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ إلخ قال النووي ‏:‏ الصحيح أن الإفراط على الوجه المذكور حرام يفسق به القارئ ويأثم به المستمع ‏,‏ لأنه عدل به عن منهجه القويم ‏,‏ وهذا مراد الشافعي بالكراهة ‏.‏ ‏

‏وقد أورد علماء التجويد نماذج من ذلك ‏,‏ فمنها ما يسمى بالترقيص ‏,‏ والتحزين ‏,‏ والترعيد ‏,‏ والتحريف ‏,‏ والقراءة باللين والرخاوة في الحروف ‏,‏ والنقر بالحروف وتقطيعها ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ إلخ ‏.‏ ‏

وقد نقل عن بعض أهل التجويد قولهم ‏:‏ فكل حرف له ميزان يعرف به مقدار حقيقته ‏,‏ وذلك الميزان هو مخرجه وصفته ‏,‏ وإذا خرج عن مخرجه معطى ما له من الصفات على وجه العدل في ذلك من غير إفراط ولا تفريط فقد وزن بميزانه ‏,‏ وهذا هو حقيقة التجويد ‏.‏ وسبيل ذلك التلقي من أفواه القراء المتقنين ‏.‏ ‏

‏‏