يقول الدكتور حسام  عفانه – أستاذ الفقه وأصوله-:

لا شك أن التقدم العلمي الكبير في مجال الصناعة وما يتبعها حمل في طياته مشكلات عويصة للناس وخاصة في معرفة مركبات المصنوعات التي يتناولها المسلم كالأغذية والأدوية والأشربة المختلفة الأشكال والأنواع ومما زاد في صعوبة الأمر أن العناصر المكونة للمنتج غذاءً كان أو دواءً – وإن كتبت على العبوات – إلا أن كثيراً منها عبارة عن اصطلاحات علمية لا يعرف حقيقتها كثير من الناس لذا صار الأمر عسراً على المسلم وخاصة إذا علمنا أن كثيراً من هذه المنتجات مستوردة.

وإزاء هذا الوضع يمكننا القول إن على المسلم أن يتعرف على المواد التي يتناولها ويسأل أهل الخبرة في ذلك بقدر الاستطاعة ولا يجوز للمسلم أن يطلق الأحكام بالتحريم دونما تثبت لأن الأصل في الأشياء الإباحة ، قال الله تعالى :( أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ) سورة لقمان الآية 20.

وقال تعالى أيضاً :( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَميعًا ) سورة البقرة الآية 29.

وجاء في الحديث عن أبي الدرداء – رضي الله عنه – أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – قال :( ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرَّم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو . فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن لينسى شيئاً وتلا :( وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ) رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وحسّنه الشيخ الألباني . غاية المرام ص 14.

ومطلوب من المسلم أيضاً أن يتقي الشبهات بقدر الوسع والطاقة.

إذا تقرر هذا فإننا نقول إن الإسلام حرّم الميتة وحرّم استعمالها وكذا حرّم الخنزير ويترتب على ذلك حرمة استعمالهما في المأكل والمشرب باتفاق العلماء وإثبات نجاستهما.

وأما الكحول فهو محرم وليس بنجس لأنه لم يثبت دليل على نجاسته وليس كل محرم نجس فالحرير محرم على الذكور وليس بنجس والسمَّ حرام وليس بنجس.

وقد قرر الفقهاء أن هذه المواد المحرّمة تبقى محرمة ما دامت على حالها لم تتغير صفاتها وطبائعها ولكن إن تغيرت تلك الأوصاف والطبائع فيتغير الحكم وهذا ما يعرف عند الفقهاء بالاستحالة وهي تغير الشيء عن صفته وطبعه. (الموسوعة الفقهية 10/278).

أو هي تغير حقيقة المادة النجسة أو المحرم تناولها وانقلاب عينها إلى مادة مباينة لها في الاسم والخصائص والصفات ويعبر عنها في المصطلح العلمي الشائع بأنها كل تفاعل كيميائي يحول المادة إلى مركب آخر كتحول الزيوت والشحوم على اختلاف مصادرها إلى صابون وتحلل المادة إلى مكوناتها المختلفة كتفكك الزيوت والدهون إلى حموض دسمة وغليسرين وكما يحصل التفاعل الكيميائي بالقصد إليه بالوسائل العلمية الفنية يحصل أيضاً – بصورة غير منظورة – في الصورة التي أوردها الفقهاء على سبيل المثال : كالتخلل والدباغة والإحراق ، وبناءً على ذلك تعتبر:

1. المركبات الإضافية ذات المنشأ الحيواني المحرَّم أو النجس التي تتحقق فيها الاستحالة – كما سبقت الإشارة إليها – تعتبر طاهرة حلال التناول في الغذاء والدواء .

2. المركبات الكيميائية المستخرجة من أصول نجسة أو محرّمة كالدم المسفوح أو مياه المجاري والتي لم تتحقق فيها الاستحالة بالمصطلح المشار إليه لا يجوز استخدامها في الغذاء والدواء مثل : الأغذية التي يضاف إليها الدم المسفوح كالنقانق المحشوة بالدم ، والعصائد المدماة ” البودينغ الأسود ” والهابمرجر المدمى وأغذية الأطفال المحتوية على الدم وعجائن الدم والحساء بالدم ونحوها ، تعتبر طعاماً نجساً محرّم الأكل لاحتوائها على الدم المسفوح الذي لم تتحقق به الاستحالة.

أما بلازما الدم – التي تعتبر بديلاً رخيصاً لزلال البيض – وقد تستخدم في الفطائر والحساء والعصائد [ بودينغ ] والخبز ومشتقات الألبان وأدوية الأطفال وأغذيتهم والتي قد تضاف إلى الدقيق فقد رأت الندوة أنها مادة مباينة للدم في الاسم والخصائص والصفات فليس لها حكم الدم.

الاستهلاك:

ويكون ذلك بامتزاج مادة محرّمة أو نجسة بمادة أخرى طاهرة حلال غالبة مما يذهب عنها صفة النجاسة والحرمة شرعاً إذا زالت صفات ذلك المخالط المغلوب من الطعم واللون والرائحة حيث يصير المغلوب مستهلكاً بالغالب ويكون الحكم للغالب ومثال ذلك:

1. المركبات الإضافية التي يستعمل من محلولها في الكحول كمية قليلة جداً في الغذاء والدواء كالملونات والحافظات والمستحلبات مضادات الزنخ.

2. الليستين والكوليسترول المستخرجان من أصول نجسة بدون استحالة يجوز استخدامهما في الغذاء والدواء بمقادير قليلة جداً مستهلكة في المخالط الغالب الحلال الطاهر .

3. الأنزيمات الخنزيرية المنشأ كالببسين وسائر الخمائر الهاضمة ونحوها المستخدمة بكميات زهيدة مستهلكة في الغذاء والدواء الغالب.

وترى الندوة ما يلي:

إن المذيبات الصناعية والمواد الحاملة والدافعة للمادة الفعالة في العبوات المضغوطة إذا استخدمت وسيلة لغرض أو منفعة مشروعة جائزة شرعاً أما استعمالها من أجل الحصول على تأثيرها المخدر أو المهلوس باستنشاقها فهو حرام شرعاً اعتباراً للمقاصد ومآلات الأفعال ] توصيات الندوة الفقهية الطبية التاسعة / مجلة المجمع الفقهي عدد10 ج 2/ 461-463.

وقد بحثت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية موضوع المواد المحرمة في الغذاء والدواء وقررت ما يلي:

– مادة الكحول غير نجسة شرعاً بناءً على ما سبق تقريره من أن الأصل في الأشياء الطهارة سواء كان الكحول صرفاً أم مخففاً بالماء ترجيحاً للقول بأن نجاسة الخمر وسائر المسكرات معنوية غير حسية لاعتبارها رجساً من عمل الشيطان.

وعليه فلا حرج شرعاً من استخدام الكحول طبياً كمطهر للجلد والجروح والأدوات وقاتل للجراثيم أو استعمال الروائح العطرية [ ماء الكولونيا ] التي يستخدم الكحول فيها كمذيب للمواد العطرية الطيارة أو استخدام الكريمات التي يدخل الكحول فيها . ولا ينطبق ذلك على الخمر لحرمة الانتفاع به.

– لما كان الكحول مادة مسكرة فيحرم تناولها وريثما يتحقق ما يتطلع إليه المسلمون من تصنيع أدوية لا يدخل الكحول في تركيبها ولا سيما أدوية الأطفال والحوامل فإنه لا مانع شرعاً من تناول الأدوية التي تصنع حالياً ويدخل في تركيبها نسبة ضئيلة من الكحول لغرض الحفظ أو إذابة بعض المواد الدوائية التي لا تذوب في الماء على ألا يستعمل الكحول فيها كمهدىء وهذا حيث لا يتوافر بديل عن تلك الأدوية.

– لا يجوز تناول المواد الغذائية التي تحتوي على نسبة من الخمور مهما كانت ضئيلة ولا سيما الشائعة في البلاد الغربية كبعض الشكولاته وبعض أنواع المثلجات ” الآيس كريم ، الجيلاتي ، البوظة ” وبعض المشروبات الغازية اعتباراً للأصل الشرعي في أن ما أسكر كثيره فقليله حرام ولعدم قيام موجب شرعي استثنائي للترخيص فيها.

– المواد الغذائية التي يستعمل في تصنيعها نسبة ضئيلة من الكحول لإذابة بعض المواد التي لا تذوب بالماء من ملونات وحافظات وما إلى ذلك يجوز تناولها لعموم البلوى ولتبخر معظم الكحول المضاف أثناء تصنيع الغذاء.

– المواد الغذائية التي يدخل شحم الخنزير في تركيبها دون استحالة عينه مثل بعض الأجبان وبعض أنواع الزيت والدهن والسمن والزبد وبعض أنواع البسكويت والشكولاته والآيس كريم ، هي محرمة ولا يحل أكلها مطلقاً اعتباراً لإجماع أهل العلم على نجاسة شحم الخنزير وعدم حل أكله ولانتفاء الاضطرار إلى تناول هذه المواد.

– الأنسولين الخنزيري المنشأ يباح لمرضى السكري التداوي به للضرورة بضوابطها الشرعية.

-الاستحالة التي تعني انقلاب العين إلى عين أخرى تغايرها في صفاتها تحول المواد النجسة أو المتنجسة إلى مواد طاهرة وتحول المواد المحرمة إلى مواد مباحة شرعاً.

وبناءً على ذلك:

– الجيلاتين المتكون من استحالة عظم الحيوان النجس وجلده وأوتاره: طاهر وأكله حلال.

-الصابون الذي ينتج من استحالة شحم الخنزير أو الميتة يصير طاهراً بتلك الاستحالة ويجوز استعماله.

– الجبن المنعقد بفعل إنفحة ميتة الحيوان المأكول اللحم طاهر ويجوز تناوله.

– المراهم والكريمات ومواد التجميل التي يدخل في تركيبها شحم الخنزير لا يجوز استعمالها إلا إذا تحققت فيها استحالة الشحم وانقلاب عينه . أما إذا لم يتحقق ذلك فهي نجسة.

– المواد المخدرة محرمة لا يحل تناولها إلا لغرض المعالجة الطبية المتعينة وبالمقادير التي يحددها الأطباء وهي طاهرة العين.

ولا حرج في استعمال جوزة الطيب ونحوها في إصلاح نكهة الطعام بمقادير قليلة لا تؤدي إلى التفتير أو التخدير. (توصيات الندوة الثامنة للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية / الفقه الإسلامي وأدلته 9/662-664.)

وأخيراً فإن على أصحاب مصانع الأغذية والمشروبات وألأدوية أن يراعوا الحلال والحرام في منتوجاتهم، وأن يتقوا الله في ذلك، وأن يعلموا أنهم مسؤولون أمام الله عز وجل الذي لا تخفى عليه خافية، وأن يجنبوا الناس تناول المحرمات، ويبعدوهم عن الشبهات.