خير الخطائين التوابون :

قبل أن نتحدَّث عن الموانع التي تحول دون وقوع المسلم في المعصية، لابدَّ أن نؤكِّد أنَّ العبرة ليست بالخطأ، مادام الإنسان من طبيعته الخطأ، ولكنَّ العبرة في التوبة والرجوع في حال الخطأ لله تعالى، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “كلُّ بنى آدم خطَّاء، وخير الخطَّائين التوابون”رواه أحمد والترمذيُّ وابن ماجه والحاكم بسندٍ صحيح.

آثار الذنوب والمعاصي على الإنسان :

فالإنسان يعترضه في كلِّ يومٍ مواقف وأهواء ونفسٌ وشيطان، كلُّها تجرُّه للمعصية والخطأ، وهذا هو طريق الخسران والعياذ بالله، فالمعصية والتمادي فيها مُهلِكةٌ ومُدمِّرةٌ للإنسان، ومن آثارها:
– أنَّ الإنسان يُحرَم من الرزق، وفى الحديث: “وإنَّ الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه”رواه أحمد وابن ماجه والحاكم بسندٍ صحيح.
– وكذلك المعصية تحرم المسلم من العلم، فالعلم نورٌ من الله يقذفه في القلب والمعصية تطفئ ذلك النور، وأحد الصالحين يقول: “إنِّي لأعصي الله فأرى ذلك في تعثُّر دابَّتي”.
– والمعصية تورث الذلّ، وفى الدعاء: “اللهمَّ أعزَّني بطاعتك، ولا تذلَّني بمعصيتك”.
– والمعصية تترك ظلمةً في القلب، وسواداً في الوجه، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: “إنَّ للسيئة اسوداداً في الوجه، وظلمةً في القلب، ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبغضاً في قلوب الخلق”، وإذا أكثر العبد من المعاصي طُبِع على قلبه، فأصبح لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكرا: “كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون”.
– والمعاصي تمحق البركة من كلِّ شيء، في المال والبدن والأولاد، وتبعد الملائكة وتقرِّب الشياطين.

الأسباب العملية للبعد عن المعاصي :

أمَّا الحواجز والموانع التي تمنع من الوقوع في المعاصي فهي:
1- قوَّة الإيمان، كلَّما تمكَّن الإيمان من قلب المسلم، كان ذلك حائط صدٍّ ضدَّ المعاصي والذنوب والخطايا، والإيمان لا يقوى إلا بالطاعات والأعمال الصالحات من ذكرٍ وصيامٍ وقراءة القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإكثار من فعل الخيرات، وصيام النوافل، وغير ذلك من الأعمال الطيِّبة التي تقوِّي الإيمان وتنمِّيه.

2- تقوى الله عزَّ وجلّ، والتقوى كما عرَّفها الإمام علي رضي الله عنه هي: “الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل”، كلُّ هذه المعاني إذا تجمَّعت في المسلم، فإنَّه حتماً سوف يكون تقيّا، بعيداً عن المعاصي والذنوب.

3- الابتعاد عن البيئات الموبوءة والفاسدة، فمَن يريد أن يحفظ نفسه من الوقوع في الزنا، عليه أن يبتعد عن مناظر التعرِّي والمشاهد المثيرة، والدافعة إلى الوقوع في الخطايا.

4- الصحبة الصالحة: يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم: “المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل”رواه أبو داود والترمذيُّ والحاكم بسندٍ صحيح.
فلأنَّ الإنسان مدنيٌّ بطبعه -كما قال ابن خلدون-، فلابدَّ له من صاحبٍ أو صديق، هذا الصديق ينبغي أن يكون صالحا، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: “لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقيّ”رواه أبو داود والترمذيُّ والحاكم بسندٍ صحيح.

5- التسلُّح بالعلم، فإنَّ العلم نور، والجهل ظلمات، وبعض الناس تقع في الذنوب، وما يترتَّب عليها بسبب الجهل، وابن عباس يقول: ” فقيهٌ واحد أشدُّ على الشيطان من ألف عابد”.

6- لزوم البديل الشرعيّ، فإنَّ الله عزَّ وجلَّ ما حرَّم شيئاً إلاَّ أباح له بديلا، فالإنسان الذي اعتاد السرقة، ينبغي أن يقلع عنها، ويتَّجه إلى العمل الشريف والتكسُّب من حلال، فإنَّ لذلك طعمٌ ومذاقٌ خاصّ، ومن تُسوِّل له نفسه الزنا عليه أن يتزوَّج، وقد أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بالزواج في حالة الاستطاعة.

7- حضور مجالس العلم، ومداومة الاستماع إلى الدعاة المؤثِّرين والعلماء الربَّانيِّين، ففي هذه المجالس تتغشَّى الرحمة أصحابها، وتحفُّهم الملائكة، ويذكرهم الله فيمن عنده، وهذه المجالس تفقِّه المرء فيما خفي عليه، وتعينه على معرفة حدود الحلال والحرام.

8- الدعاء، فهو سلاحٌ ينبغي ألا نغفله، فالنبيُّ صلى الله عليه وسلم كان دائم الدعاء، رغم أنَّ الله قد غفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، وكان من دعائه: “اللهمَّ يا مقلِّب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك، ….”رواه الترمذيُّ والحاكم بسندٍ صحيح.

أعلى درجات البعد عن المعاصي شعور المسلم بمراقبة الله عز وجل له:

أمَّا الإحسان فهو أحد مراتب الإسلام، وحينما سئل عنه جبريل قال: “أن تعبد الله كأنَّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنَّه يراك”رواه البخاري، والإحسان لا يتأتَّى إلا عبر الإلمام بالعلم الشرعيِّ النافع الذي يعين على الطاعة وكثرة العبادة وترقيق القلب، كما أنَّ التقرُّب إلى الله بالنوافل يجعل المسلم قريباً من الله عزِّ وجلّ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ الله قال: من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه”رواه البخاري.
ويُفهَم من الحديث أنَّه إذا اجتهد المسلم في طاعة الله، وأخلص فيها، فإنَّه ينتقل من مرتبة الإيمان إلى مرتبة الإحسان، أي مراقبة الله عزَّ وجلَّ في كلِّ حركةٍ من حركاته، وفى كلِّ فعلٍ من أفعاله.
والإحسان يقتضي أن يقوم المسلم بالأعمال الصالحة في السرّ، وأن يتفوَّق على غيره من المسلمين، في هذه الأعمال.
وقد حدَّد الله تعالى جزاء الإحسان بقوله تعالى: “هل جزاء الإحسان إلا الإحسان”؟.