حلت السنة النبوية مشكلة الإيمان بالقدر، الذي كان يعتقده المتدينون معارضًا للتداوي وطلب العلاج، ظانين أن عليهم الصبر على البلاء، والرضا بالقضاء، دون اللجوء إلى طلب الدواء.
روى الإمام أحمد وابن ماجة والترمذي عن أبي خزامة أو أبي خزامة عن أبيه، قال : يا رسول الله ! أرأيت رقى نسترقيها، ودواء نتداوي به، وتقاة نتقيها، فهل ترد من قدر الله شيئًا؟ قال : « هي من قدر الله » (رواه أحمد (421/3)، والترمذي (2066)، وابن ماجة (3437) والحاكم (199/4) وقال الترمذي حديث حسن، وفي بعض النسخ حسن صحيح، وله شاهد من حديث حكيم بن حزام رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (199/4)، وآخر من حديث كعب بن مالك، رواه ابن حبان في صحيحه (6100).

وهذا هو الجواب الحاسم، فإن الله قدر الأسباب والمسببات، وجعل من سننه في خلقه دفع قدر بقدر، فيدفع قدر الجوع بقدر الغذاء، ويدفع قدر العطش بقدر الشرب، وقدر الداء بقدر الدواء، وكل من الدافع والمدفوع قدر الله.

وهدي النبي – صلى الله عليه وسلم -في ذلك هو أكمل هدي، وسنته هي النور الذي به يُقتدى فيُهتدى. فإنه عليه السلام كان يفعل التداوي في نفسه، ويأمر به لمن أصابه مرض من أهله وأصحابه.
وفي الصحيح من حديث جابر أن النبي – صلى الله عليه وسلم -بعث إلى أبي بن كعب طبيباً، فقطع له عرقا، وكواه عليه (رواه مسلم في كتاب السلام برقم (2207).

وحينما ذهب عمر إلى الشام، وعلم قبل دخولها أن هناك طاعونًا، شاور أصحابه في الرجوع، واستقر الرأي على العودة بمن معه، بعدًا بهم عن مواطن الخطر. فقال أبو عبيدة : أنفر من قدر الله يا أمير المؤمنين؟ قال عمر : لو غيرك قالها يا أبا عبيدة ! نعم، نفر من قدر الله إلى قدر الله ! أرأيت لو كان ذلك واديان، أحدهما مخصب، والآخر مجدب، أليس إنه رعيت المخصب رعيته بقدر الله؟!

فالمسلم البصير الفقيه في دينه، هو الذي يدفع قدر الله بقدر الله، ويفر من قدر الله إلى قدر الله، كما قال الفيلسوف الشاعر محمد إقبال: المؤمن الضعيف يحتج بقضاء الله وقدره، والمؤمن القوي يرى أنه قدر الله الذي لا يغلب، وقضاؤه الذي لا يرد.