الديون التي على المسلم تمنعه من أمرين:-
أولا: مجرد السفر، فليس للمدين أن يسافر دون إذن الدائن إذا كان سفره هذا سيترتب عليه تأخر في سداد الدين.
ثانيا:- العمرة نفسها إذا كانت ستكلف مالا، فالواجب على المسلم توجيه أموال العمرة إلى قضاء الدين أولا.
أما إذا كانت هذه الديون مؤجلة ومجدولة بطريقة لن يؤثر عليها السفر ولا العمرة فله أن يسافر ويعتمر.
أما إذا كان سفره وعمرته من شأنها أن تخل بالتزاماته نحو دائنيه، فلا يجوز له الإقدام على هذا إلا بعد أخذ الإذن منهم، حتى يكون في حل، أما الديون طويلة الأجل التي تخصم من المرتب المضمون لا تمنع من الحج أو العمرة.

وهذا كله في  إذا كان  هذا القرض قرضا حسنا بلا فوائد ، وأما إذا  كان القرض بفوائد فيجب التخلص منه فورا لأنه ربا ، ولا يجوز الانتفاع به لا في العمرة ولا في غيرها.

يقول الدكتور يوسف القرضاوي :-

المفروض أن المسلم إذا كان عليه دين فلا يجوز له أن يحج حتى يوفي دينه لأن الحج حق الله والديون حق العباد؛ وحقوق العباد مبنية على المشاحة، وحقوق الله مبنية على المسامحة، الله يسامح في حقه، ولكن العباد لا يسامحون في حقهم، ولذلك لا يجب على الإنسان أن يحج إذا كان عليه دين حتى يقضي دينه.

فإذا كان أصحاب الدين متسامحين، وقالوا له: نحن نسمح لك أن تذهب إلى الحج، وتنازلوا عن حقهم، و قالوا له: لو مت فنحن نتجاوز عن المال، فجزاهم الله خيرًاً؛ إنما إذا لم يفعلوا ذلك فلا يجوز له.
وإذا كان على الإنسان دين، وهو ومشتاق جداً إلى الحج، فليذهب ويستأذن أصحاب الدين، فإذا سمحوا له جاز له أن يحج بشرط أن يكون واثقاً من القدرة على تسديد الدين، أما إذا كان يعرف أنه إذا حج فلن يستطيع أن يسدد الدين، فلا يجوز له أن يحج؛ لأن تسديد الديون أولى حتى ولو كان ديناً مؤجلاً، إلا إذا كان ديناً مؤجلاً مثل ديون الحكومة، فبعض البلاد تعطي قرض طويل الأجل ويعطوا بيت أو أرض أو شيء من هذا على 30 سنة، فهذا معروف أنهم يأخذون من راتبه حتى ينتهي من سداد الدين فمثل هذا لا يمنع، إنما إذا كان دين عليه أن يسدده خلال سنتين أو ثلاثة، وقد يؤدي حجه إلى تعطيل أداء الدين في وقته، فليس عليه أن يحج، إلا إذا استسمح أصحاب الدين وسامحوه، وكان واثقاً من نفسه بالقدرة على الوفاء بهذا الدين. انتهى.
ويقول الشيخ ابن قدامة المقدسي في كتابه المغني:-
من كان عليه دين إذا أراد السفر ، وأراد غريمه منعه ، نظرنا ; فإن كان محل الدين قبل محل قدومه من السفر ، مثل أن يكون سفره إلى الحج لا يقدم إلا في صفر ، ودينه يحل في المحرم أو ذي الحجة ، فله منعه من السفر ; لأن عليه ضررا في تأخير حقه عن محله، فإن أقام ضمينا مليئا- أي ضامنا غنيا- ، أو دفع رهنا يفي بالدين عند المحل ، فله السفر ; لأن الضرر يزول بذلك، وأما إن كان الدين لا يحل إلا بعد محل السفر ، مثل أن يكون محله في ربيع ، وقدومه في صفر ، نظرنا ; فإن كان سفره إلى الجهاد ، فله منعه إلا بضمين أو رهن ; لأنه سفر يتعرض فيه للشهادة ، وذهاب النفس ، فلا يأمن فوات الحق، وإن كان السفر لغير الجهاد فظاهر كلام الخرقي أنه ليس له منعه ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد لأن هذا السفر ليس بأمارة على منع الحق في محله ، فلم يملك منعه منه ، كالسفر القصير ، وكالسعي إلى الجمعة .
وقال الشافعي ليس له منعه من السفر ، ولا المطالبة بكفيل إذا كان الدين مؤجلا بحال ، سواء كان الدين يحل قبل محل سفره أو بعده ، وسواء كان السفر إلى الجهاد أو إلى غيره ; لأنه لا يملك المطالبة بالدين ، فلم يملك منعه من السفر ، ولا المطالبة بكفيل ، كالسفر الآمن القصير .
ثم استدل ابن قدامة على رجحان الاستئذان قبل السفر فقال:- ولنا ، أنه سفر يمنع استيفاء الدين في محله ، فملك منعه منه ، إن لم يوثقه بكفيل ، أو رهن ، كالسفر بعد حلول الحق ، ولأنه لا يملك تأخير الدين عن محله ، وفي السفر المختلف فيه تأخيره عن محله ، فلم يملكه ، كجحده .