الإسلام جعل للمرأة ذمة مالية مستقلة، فجعل المهر حقًا خالصًا لها، كما جعل لها حق التصرف فيما ملكت من مال، سواء أكان عن طريق العمل، أو الميراث، أو الهبة، أو غير ذلك من الطرق المشروعة في الكسب.

يقول الدكتور محمد البهي ـ رحمه الله

المرأة في الإسلاُم مستَقِلّة في مالها.. وفي رأيها.. وفي اعتقادها. ولها شخصيتها الخاصة بها تدخل بها عقد الزواج، كما يدخل الرجل بشخصيته الخاصة هذا العقد أيضًا .

وللزوجات حقوق قبل الأزواج، مثل ما للأزواج حقوق قبلهُنَّ: (ولَهُنَّ مِثْلُ الذِي عَلَيْهِنَّ بِالمَعْروفِ) (البقرة: 228) .

ودرجة الأزواج على الزوجات في الأسرة هي درجة الإنفاق عليها.. ودرجة المواجهة في الحياة، عند تنفيذ ما يستقِرُّ عليه الرأي في شؤون هذه الحياة بين الزوجة والزوج وبقية أعضاء الأسرة. فالشورى مبدأ أساسي في صفات المؤمنين: (وأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) (الشورى: 38). ولا يلغيها أنَّ للرجال درجة علي النساء في الأسرة .

ودليلُ أنَّ الزوجة مستقلّة في مالها أن مهرها ـ وهو منحة من زوجها لها ـ إذا دخل في ملكها لا يجوز لزوجها أن يستردَّ منه شيئًا إلا في حالتين :

الحالة الأولى: في حاله رضاها هي، كما يقول تعالى: (وآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ “أيْ مُهورَهُنَّ” نِحْلةً “أي منحة وعطية” فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا) (النساء: 4) أي فإن تنازلت الزوجات عن شيء من مهورهن التي هي منحة من أزواجهن، عن طيب خاطر إلى الأزواج.. فليس هناك حرَج في أن يقبلَه الأزواج. إذ هو حلال لهم الآن ..

والحالة الثانية: أن تفدي الزوجة نفسَها بمهرها أو ببعض منه للتخلُّص من سوء عشرة زوجها لها، عندئذٍ يجوز للزوج أن يأخذه في مقابل فِراقها منه . ويقول في ذلك القرآن الكريم: (ولاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاّ أَنْ يَخَافَا أَلاّ يُقِيمَا حُدودَ اللهِ فَإنْ خِفْتُمْ أَلاّ يُقِيمَا حُدودَ اللهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) (البقرة: 229) أي ليس هناك حرج على الزوجة في تنازلها عن المهر أو بعضه.. وليس هناك حرج أيضًا على الزوج في قَبول ما تنازلت عنه. إذا تعيَّن ذلك حلاًّ لرفع الضَّرَر عن الزوجة من سوء عشرة زوجها .

وإذا كان وضع المهر بين الزوج والزوجة هو على هذا النحو.. فمال الزوجة الخاصّة بها، كالمرتَّب مثلاً، لا يجوز قطعًا للزوج أن يأخذ منه شيئًا، إلا برضاء الزوجة وطيب نفسِها، وأخذ شيءٍ منه كَرْهًا ـ سواء أكان هذا الإكراه مُقنَّعًا أو مكشوفًا ـ فإنه يُعتبر غصبًا. والغصب حرام على المغتصِب، ويجب عليه ردُّ المغصوب لمَن اغتُصب منه. وعقد الزوجية لا يبرِّر أي ضغط على الزوجة: إن في مالها أو فيما تراه وتعتقده .

والزوج الذي يُكره زوجته على أخذ مرتَّبها منها، ويسرِف في إنفاقه يَرتَكِب أمرين حرَّمهما الله: يرتكب غَصْب المال، كما يرتكب الإسراف في إنفاقه. ثم يسيء بهذا وذاك: إلى عِشْرة زوجته. وهو من أجل ذلك زوج غير صالح، ولا يُرجَى منه الخير.ا.هـ
إلا أن يعود إلى إعطاء زوجته حقها، وألا يفعل مثل هذا، بل عليه أن يحسن عشرتها، وألا يتدخل في ذمتها المالية .