قدم الدكتور  عبد الرحمن بن عبد الله المخضوب – من علماء المملكة العربية السعودية – بحثا عن ركن الشهادة في النكاح، عرض فيه لحيثية الشهادة، أي علام يشهد الشهود في النكاح؟ وتطرق لحكم الشهادة على إذن المرأة وأنها وكلت بالفعل من يزعم الوكالة عنها أبا كان أو غيره.

وخلص في دراسته إلى أن الشهادة على إذن المرأة ليس واجبا في قول أكثر أهل العلم ، ولكن قد ذهب بعض الفقهاء إلى إيجابه، وقد رجح هذا القول، ولا شك أن هذا القول أولى بالاعتبار حتى نضمن أن لا تزوج بنت بغير إذن منها، وحتى تستقر الأسر؛ لأنه بغير هذه الشهادة تستطيع البنت أن تنمر موافقتها حتى بعد الدخول، وهذا يزعزع استقرار الأسرة.

وهذا نص ما جاء بالدراسة بهذا الصدد:

“إذا تقرَّر أن إذن الزوجة الثيب شرط لصحة عقد النكاح إذا كانت كبيرة، وعلى الأظهر من أقوال العلماء في البكر الكبيرة، فإن الشهادة على إذنهما ورضاهما يبنى على معرفة الشهود لها؛ لذا قال بعض الفقهاء: “لا بد من معرفة الشهود اسمها ونسبها، أو يشهدان على صوتها برؤية وجهها بأن تكشف لهم النقاب، والقضاة الآن لا يعلمون بهذا فإنهم يزوجون المنتقبة الحاضرة من غير معرفة الشهود لها اكتفاءً بحضورها وإجبارها”[1].

وهذا القول لا يسلم به على إطلاقه، بل الأولى في شهود عقد النكاح أن يكونوا ممن يعرفون المرأة كأعمامها وأخوالها وإخوانها ونحوهم من الأقارب الذين يعرفون المرأة بعينها أو صوتها، وقد نص فقهاء الحنفيةأنه لا بد من تمييز المنكوحة عند الشاهدين لتنتفي الجهالة ،وقالوا: إن كانت حاضرة منتقبة كفى بالإشارة إليها، والاحتياط كشف وجهها، فإن لم يروا شخصها وسمعوا كلامها من البيت -إن كانت المرأة في البيت وحدها- جاز النكاح لزوال الجهالة، وإن كان معها امرأة أخرى لا يجوز لعدم زوالها.[2]

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:”لا يفتقر صحة النكاح إلى الإشهاد على إذن المرأة قبل النكاح في المذاهب الأربعة إلا وجهاً ضعيفاً في مذهب الشافعي وأحمد، بل قال: إذا قال الولي: أذنت لي جاز عقد النكاح، والشهادة على الولي والزوج”.[3]

واتفق فقهاء الشافعية[4] والحنابلة[5]على أن الإشهاد على رضا المرأة مستحب، قال صاحب مغني المحتاج[6]: “ويستحب الإشهاد على رضا المرأة بالنكاح بقولها: رضيت أو أذنت فيه حيث يعتبر رضاها بأن كانت غير مجبرة ليؤمن إنكارها، ولا يشترط الإشهاد في صحة النكاح؛ لأنه ليس من نفس العقد وإنما هو شرط فيه، ورضاها الكافي في العقد يحصل بإذنها وببينة، وكذا بإخبار وليها مع تصديق الزوج”.

وقال صاحب كشاف القناع[7]:” والاحتياط الإشهاد على خلوها من الموانع وعلى إذنها لوليها إن اعتبر احتياطاً”.

والذي يظهر لي هنا: أن الإشهاد على رضا المرأة أمر معتبر عند شك العاقد في إجبار المرأة، وهذا يتبين من حال الولي والزوج والشاهدين،وهذا ما عليه تعميم وزارة العدل في المملكة العربية السعودية لمأذوني عقود الأنكحة وفيه: “اعتمدوا عدم إجراء أي عقد إلا بعد استئمار المرأة الثيب واستئذان البكر، ولو كان الولي هو الأب، وإذن البكر صماتها كما جاء الحديث الشريف بذلك، وينبغي الإشهاد عليها بذلك؛ لأن في ذلك قطعاً لدابر كثير من شكاوى بعض النساء بأنهن زوجن بغير رضاهن”.

وقد أفتى ابن عبد السلام والبلقيني من الشافعية[8]، وقول عند الحنابلة أنه يشترط الإشهاد على إذن الزوجة[9]، إلا أن الإشهاد هنا لا يعد شرطاً لصحة عقد النكاح؛لأن إذنها ليس ركناً في العقد، أي ليس جزءاً من أجزاء العقد، والإشهاد اختلف في كونه شرطاً في العقد[10]، فإن عقد عليها بدون إشهاد على إذنها، فإن أنكرت الإذن قبل الدخول صدقت؛ لأن الأصل عدمه، ولا تصدق بعد الدخول؛ لأن تمكينها من نفسها دليل على إذنها فلم تقبل دعواها[11]، إلا أن تدعي الإكراه ونحوه فتحلف وينفسخ النكاح، لذا كان على الولي الإشهاد لئلا تنكر فيحتاج إلى بينة[12]. وقد سئل الشافعي رحمه الله عن امرأة زوجها الولي بغير إذنها فقال: “إن أجازت النكاح جاز وإن ردّته فهو مردود”.[13]

وهنا ملحظ وهو: أن الزواج يعد أقوى رابطة بين الرجل والمرأة، ومن أسباب نجاحه ودواعيه أن تستأذن المرأة تطييباً لقلبها، وحفظاً لحقها. روي عن عطاء قال: “كان النبي صلى الله عليه وسلم يستأمر بناته إذا أنكحهن قال: كان يجلس عند خدر المخطوبة، فيقول: (إن فلاناً يذكر فلانة) فإن حركت الخدر لم يزوجها، وإن سكتت زوجها[14].


[1] – حاشية البجيرمي 3/335، إعانة الطالبين 3/298، وانظر: البحر الرائق: 3/95.

[2]- حاشية ابن عابدين 3/22، البحر الرائق 3/95.

[3]- مجموع فتاوى شيخ الإسلام 32/56.

[4]- نهاية الزين ص 307، إعانة الطالبين 3/300، جواهر العقود 2/6.

[5]- الفروع 5/145، الإنصاف 20/147، كشاف القناع 5/47.

[6]- مغني المحتاج (3/147)

[7] – كشاف القناع 5/47، والإشهاد عند المالكية شرط في صحة الدخول لا في صحة العقد. انظر: الثمر الداني ص 437.

[8]- مغني المحتاج 3/247.

[9]- الفروع 5/145، الإنصاف 20/147.

[10]- إعانة الطالبين 3/300، جواهر العقود 2/6.

[11]- كشاف القناع 5/47.

[12]- الفروع 5/145.

[13]- الأم 5/169-170.

[14] – أخرجه عبد الرزاق في المصنف 6/141 بلفظه عن المهاجر بن عكرمة، ووصله البيهقي عن أبي هريرة وابن عباس في السنن الكبرى 7/123، ورجح إرساله. وأخرجه الإمام أحمد في المسند 6/78 من حديث عائشة.