احترام النبي صلى الله عليه وسلم وهو ميت كاحترامه وهو حي،وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن المختار في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوجه المرء بوجهه تجاه قبر الرسول صلى الله عليه وسلم.

يقول الشيخ حسنين مخلوف مفتي مصر الأسبق -رحمه الله تعالى-:

روَى القاضي عياض في كتاب الشفاء عن ابن حميد أحد رواة مالك، رضي الله عنه، أن أبا جعفر المنصور ناظر مالكًا في مسجد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال له مالك: يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في هذا المسجد فإن الله تعالى أدب قومًا فقال: ( لا ترفعوا أصواتَكم فوقَ صوتِ النبيِّ ولا تجهروا له بالقولِ كجهرِ بعضِكم لبعضٍ أنْ تَحْبَطَ أعمالُكم وأنتم لا تشعرون) ومدح قومًا فقال: (إنَّ الذين يَغُضُّون أصواتَهم عند رسولِ اللهِ أولئك الذين امتَحن اللهُ قلوبُهم للتقوى لهم مغفرةٌ وأجرٌ عظيمٌ) وذمَّ قومًا فقال: (إنَّ الذين ينادونك من وراءِ الحجراتِ أكثرُهم لا يعقلون) وإن حرمته ميتًا كحرمته حيًّا. فاستكان لها أبو جعفر وقال: يا أبا عبد الله أستقبل القبلة وأدعو بعد الزيارة أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال مالك: ولِمَ تصرف وجهك عنه؟ فهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم إلى الله يوم القيامة، بل استقبله واستشفع به فيُشَفِّعَه الله فيك، قال تعالى: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسَهم جاءوك فاستغفروا اللهَ واستغفرَ لهم الرسولُ لوجدوا اللهَ توابًا رحيمًا).

ومذهب مالك وأحمد والشافعي استحباب استقبال القبر الشريف في السلام والدعاء، وهو مُسطَّر في كتبهم، وصرح به النووي في أذكاره وإيضاحه، ونقله السبكي عن الشافعية فقال: يُستحب أن يأتيَ القبر الشريف ويستقبله ويستدبر القبلة، بعيدًا من رأس القبر بنحو أربعة أذرع ويُسلِّم عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم يتأخر ويُسلِّم على أبي بكر ثم يُسلِّم على عمر رضي الله عنهما، ثم يرجع لموقفه الأول مستقبِلاً القبر ويدعو بما أراد. اهـ.

ومثله عند الحنفية كما نقله الكمال بن الهمام من فقهاء الحنفية في كتابه فتح القدير، وكما يؤخذ من الفتاوى الهندية. وذهب الليث بن سعد وشيخ الإسلام ابن تيمية إلى أنه يستقبل في الدعاء القبلة ولم يرتض جمهور الفقهاء ذلك ومنهم القاضي عياض رحمه الله. والله أعلم.انتهى
والخلاصة أن الجمهور على أن استقبال قبر النبي صلى الله عليه وسلم واستدبار القبلة في هذا الموقف هوالمختار من الفتوى أدبًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.