إذا كان الطفل غير مميز لا يفرق بين معنى عورة الرجل والمرأة، فلا يجب الاستتار منه، وهذا ما عناه ربنا بقوله تعالى: { أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء }. حينما استثنى هذا الصنف من وجوب ستر العورة عليه.
وأما إذا بلغ الطفل الحلم فقد صار رجلا له أحكام الرجال.
بقي الكلام في الطفل الذين بين هذين، نعني الطفل الذي يفهم ويميز ويحكي، ويستطيع أن يحكي ما يرى فمثل هذا ينزل منزلة المحرم من المرأة فلا يرى منها سوى ما يبدو منها غالبا عند المهنة، وهو العنق، والرأس، والقدمان.
يقول العلامة الجصاص في تفسير قوله تعالى { أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء }.
قال مجاهد: ( هم الذين لا يدرون ما هن من الصغر ). وقال قتادة: ( الذين لم يبلغوا الحلم منكم ).
قال أبو بكر: قول مجاهد أظهر، لأن معنى أنهم لم يظهروا على عورات النساء أنهم لا يميزون بين عورات النساء والرجال لصغرهم وقلة معرفتهم بذلك، وقد أمر الله تعالى الطفل الذي قد عرف عورات النساء بالاستئذان في الأوقات الثلاثة بقوله: { ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم } وأراد به الذي عرف ذلك واطلع على عورات النساء.
والذي لا يؤمر بالاستئذان أصغر من ذلك، وقد روي عن النبي ﷺ أنه قال {: مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع }، فلم يأمر بالتفرقة قبل العشر، وأمر بها في العشر؛ لأنه قد عرف ذلك في الأكثر الأعم ولا يعرفه قبل ذلك في الأغلب. انتهى.
ويقول الشيخ ابن قدامة الحنبلي في المغني:
فأما الغلام، فما دام طفلا غير مميز، لا يجب الاستتار منه في شيء، وإن عقل، ففيه روايتان إحداهما: حكمه حكم ذي المحرم في النظر، والثانية: له النظر إلى ما فوق السرة وتحت الركبة، لأن الله تعالى قال { ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم } إلى قوله تعالى { ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض } إلى قوله: { وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم } فدل على التفريق بين البالغ وغيره.
وقال أبو عبد الله: أبو طيبة حجم نساء النبي ﷺ وهو غلام، ووجه الرواية الأولى قوله { أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء } وقيل لأبي عبد الله: متى تغطي المرأة رأسها من الغلام ؟ قال: إذا بلغ عشر سنين.