في هذا خلاف بين العلماء،والذي رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية أن من رأى الهلال وحده دون بقية أهل البلد فإنه لا يصوم لرؤيته، ويصوم مع الناس  لقوله صلى الله عليه وسلم: “” صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون” رواه الترمذي، وصححه الشيخ الألباني .

والصيام مع أول بلد ترى الهلال ذهبت إليه طائفة من أهل العلم ، وقصر كل بلد على مطلعها قالت به كذلك طائفة من أهل العلم ، فالخلاف في مثل هذا سائغ مقبول .

يقول الشيخ القرضاوي في بيان اختلاف أهل البلد الواحد :-

السعي إلى وحدة المسلمين في صيامهم وفطرهم، وسائر شعائرهم وشرائعهم، أمرٌ مطلوب دائما، ، فعلى الأقل يجب أن نحرص على الوحدة الجزئية الخاصة بين أبناء الإسلام في القطر الواحد .
فلا يجوز أن نقبل بأن ينقسم أبناء البلد الواحد، أو المدينة الواحدة، فيصوم فريقٌ اليوم على أنه من رمضان، ويفطر آخرون على أنه من شعبان، وفي آخر الشهر تصومُ جماعة، وتعيد أخري، فهذا وضع غير مقبول .
فمن المتفق عليه أن حكم الحاكم، أو قرار ولي الأمر يرفع الخلاف في الأمور المختلف فيها .
فإذا أصدرت السلطة الشرعية المسئولة عن إثبات الهلال في بلد إسلامي ــ المحكمة العليا، أو دار الإفتاء، أو رئاسة الشؤون الدينية، أو غيرها ــ قرارها بالصوم أو بالإفطار، فعلى مسلمي ذلك البلد الطاعة والالتزام ؛ لأنها طاعة في المعروف، وإن كان ذلك مخالفا لما ثبت في بلد آخر، فإن حكم الحاكم هنا رجح الرأي الذي يقول : إنَّ لكل بلد رؤيته . انتهى كلام الشيخ .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية :-

إذا رأى هلال الصوم وحده أو هلال الفطر وحده فهل عليه أن يصوم برؤية نفسه ؟ أو يفطر برؤية نفسه ؟ أم لا يصوم ولا يفطر إلا مع الناس ؟ على ثلاثة أقوال هي ثلاث روايات عن أحمد : أحدها : أن عليه أن يصوم وأن يفطر سرا وهو مذهب الشافعي . والثاني : يصوم ولا يفطر إلا مع الناس وهو المشهور من مذهب أحمد ومالك وأبي حنيفة .

والثالث : يصوم مع الناس ويفطر مع الناس وهذا أظهر  الأقوال ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون } رواه الترمذي وقال حسن غريب ورواه أبو داود وابن ماجه وذكر الفطر والأضحى فقط . ورواه الترمذي من حديث عبد الله بن جعفر عن عثمان بن محمد عن المقبري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم . قال : { الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون } قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب، قال : وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقال : إنما معنى هذا الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس . ورواه أبو داود بإسناد آخر : فقال حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد من حديث أيوب عن محمد بن المنكدر عن أبي هريرة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فيه فقال : { وفطركم يوم تفطرون . وأضحاكم يوم تضحون . وكل عرفة موقف وكل منى منحر وكل فجاج مكة منحر وكل جمع موقف } .

ولأنه لو رأى هلال النحر لما اشتهر والهلال اسم لما استهل به فإن الله جعل الهلال مواقيت للناس والحج وهذا إنما يكون إذا استهل به الناس والشهر بين . وإن لم يكن هلالا ولا شهرا . وأصل هذه المسألة أن الله سبحانه وتعالى علق أحكاما شرعية  بمسمى الهلال والشهر : كالصوم والفطر والنحر فقال تعالى : { يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج } . فبين سبحانه أن الأهلة مواقيت للناس والحج . قال تعالى : { كتب عليكم الصيام } إلى قوله : { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس } أنه أوجب صوم شهر رمضان وهذا متفق عليه بين المسلمين لكن الذي تنازع الناس فيه أن الهلال . هل هو اسم لما يظهر في السماء ؟ وإن لم يعلم به الناس ؟ وبه يدخل الشهر أو الهلال اسم لما يستهل به الناس والشهر لما اشتهر بينهم ؟ على قولين : فمن قال بالأول يقول : من رأى الهلال وحده فقد دخل ميقات الصوم ودخل شهر رمضان في حقه وتلك الليلة هي في نفس الأمر من رمضان وإن لم يعلم غيره .

ويقول من لم يره إذا تبين له أنه كان طالعا قضى الصوم وهذا هو القياس في شهر الفطر وفي شهر النحر لكن شهر النحر ما علمت أن أحدا قال من رآه يقف وحده دون سائر الحاج وأنه ينحر في اليوم الثاني ويرمي جمرة العقبة ويتحلل دون سائر الحاج . وإنما تنازعوا في الفطر : فالأكثرون ألحقوه بالنحر وقالوا لا يفطر إلا مع المسلمين ; وآخرون قالوا بل الفطر كالصوم ولم يأمر الله العباد بصوم واحد وثلاثين يوما وتناقض  هذه الأقوال يدل على أن الصحيح هو مثل ذلك في ذي الحجة . وحينئذ فشرط كونه هلالا وشهرا شهرته بين الناس واستهلال الناس به حتى لو رآه عشرة ولم يشتهر ذلك عند عامة أهل البلد لكون شهادتهم مردودة أو لكونهم لم يشهدوا به كان حكمهم حكم سائر المسلمين فكما لا يقفون ولا ينحرون ولا يصلون العيد إلا مع المسلمين فكذلك لا يصومون إلا مع المسلمين وهذا معنى قوله : { صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون } . ولهذا قال أحمد في روايته : يصوم مع الإمام وجماعة المسلمين في الصحو والغيم . قال أحمد : يد الله على الجماعة .

وعلى هذا تفترق أحكام الشهر : هل هو شهر في حق أهل البلد كلهم ؟ أو ليس شهرا في حقهم كلهم ؟ يبين ذلك قوله تعالى : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } فإنما أمر بالصوم من شهد الشهر والشهود لا يكون إلا لشهر اشتهر بين الناس حتى يتصور شهوده والغيبة عنه . { وقول النبي صلى الله عليه وسلم : إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا وصوموا من الوضح إلى الوضح } ونحو ذلك خطاب للجماعة لكن من كان في مكان ليس فيه غيره إذا رآه صامه فإنه  ليس هناك غيره . وعلى هذا فلو أفطر ثم تبين أنه رئي في مكان آخر أو ثبت نصف النهار لم يجب عليه القضاء . وهذا إحدى الروايتين عن أحمد . فإنه إنما صار شهرا في حقهم من حين ظهر واشتهر . ومن حينئذ وجب الإمساك كأهل عاشوراء : الذين أمروا بالصوم في أثناء اليوم ولم يؤمروا بالقضاء على الصحيح وحديث القضاء ضعيف . انتهى.