كان العرب قديما يعلقون بصدورهم بعض الأحجبة وغيرها مما يعرف بالتمائم، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها، واتفق العلماء على النهي عنها إذا كان المكتوب فيها شيئا غير القرآن والسنة، وأجاز بعض العلماء اتخاذها إذا كانت مشتملة على القرآن والأذكار، ورجح الدكتور القرضاوي كراهتها، واكتفى بأن يرقى الإنسان شفاهية.

فمن وجد أحجية فعليه أن يقوم بفتحها وقراءتها جيدا فإن وجد فيها قرآنا وأحاديث فقط مكتوبة باللغة العربية ، وليس فيها شيء من الطلاسم فيجوز أن يبقيها ، وإن وجد فيها شيئا غير مفهوم ، أو أن بها شيئا غير القرآن والسنة فعليه أن يمزقها، ولن تضره بإذن الله.

يقول الدكتور يوسف القرضاوي:-

كراهة التمائم ولو كانت من القرآن:

وعن إبراهيم النخعي قال: كانوا يكرهون التمائم كلها، من القرآن وغير القرآن. (انظر: فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، تأليف الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، بتحقيق محمد حامد الفقي، الطبعة السابعة، مطبعة السنة المحمدية، القاهرة).
وإبراهيم النخعي إمام من كبار فقهاء التابعين، مات سنة ستة وتسعين (96 هـ).
وقوله: “كانوا” يقصِد أصحاب ابن مسعود من مدرسة الكوفة العِلْمية الشهيرة، أمثال: علقمة، والأسود، ومسروق، وأبي وائل، والحارث بن سويد، وعبيدة السلماني، والربيع بن خثيم، وغيرهم. وكلهم من سادات التابعين، وهذه الصيغة: “كانوا” يستعملها إبراهيم في حكاية أقوالهم وأحوالهم.
وهذا هو موقف ابن مسعود وأصحابه: كراهية التمائم كلها، من القرآن ومن غيره.

مَنْ يرى جواز التمائم إذا كانت من القرآن:

وهناك مَن يرى جواز التمائم إذا كانت من القرآن، وما فيه ذكر الله ـ تعالى.
فقد ورد أن عبد الله بن عمرو لم يكن يمانع في ذلك.
فقد روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (عبد الله بن عمرو) قال: كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يُعَلِّمنا كلماتٍ نقولهنَّ عند النوم من الفَزَع: “بسم الله، أعوذ بكلمات الله التامة، من غَضَبِه وعِقابه، وشرِّ عباده، ومن هَمَزات الشياطين، وأن يَحْضُرون”، قال: فكان عبد الله يُعَلِّمُهنَّ مَنْ بَلَغ مِن ولده، أن يقولها عند نومه، ومَن كان منهم صغيرًا لا يَعْقِل أن يَحْفَظَها، كتَبَها له، فعَلَّقَها في عُنُقه. (رواه أحمد في مسند عبد الله بن عمرو. الحديث “6696”، وقال الشيخ شاكر: إسناده صحيح، ورواه أبو داود في الطب “3893”، والترمذي في الدعوات “3519”، وقال: حسن غريب، ونسبه المنذري للنسائي ـ أيضًا).
قال في “فتح المجيد”: وهو ظاهر ما رُوِي عن عائشة، وبه قال أبو جعفر الباقر، وأحمد في رواية. وحملوا الحديث (الناهي عن التمائم) على التمائم التي فيها شِرْك. (فتح المجيد ص 127).
وقال الحافظ بن حجر في حديث: “لا تُبْقِيَنَّ في رقبةِ بعيرٍ قلادةً من وَتَر”، بعد شرحه: هذا كله في تعليق التمائم وغيرها مما ليس فيه قرآن ونحوه. فأما ما فيه ذِكْر الله فلا نَهْي فيه؛ فإنه إنما يُجْعَل للتَّبَرُّك به، والتَّعَوُّذ بأسمائه وذِكْره. (فتح الباري: 6 / 142).

موقف المسلم في هذه القضية:

وإذا اختلَف السلَّف في مثل هذه القضية، فللمسلم أن يأخذ ما يطمئِنُّ إليه قلبُه من أحد الرأييْن، وإن كنتُ أُرَجِّح ما رآه أصحاب ابن مسعود من كراهية التمائم كلها.
وهذا الترجيح مَرَدُّه إلى جملة أمور:
أولها: عموم النهي عن التمائم، حيث لم تُفَرِّق النصوص بين بعضها وبعض، ولم يُوجَد مُخَصِّص.
وثانيها: سدُّ الذريعة، حتى لا يُفْضي إلى تعليق ما ليس كذلك.
وثالثها: أنه إذا عَلَّق ذلك، فإنه لا بد أن يَمْتَهِنَه، بحَمْله في حال قضاء الحاجة، والجنابة ونحوها.(انظر: فتح المجيد ص 127، 128).
ورابعها: أن القرآن إنما أُنْزِل؛ ليكون هداية ومِنهاجًا للحياة، لا لِيُتَّخَذ تمائم وحُجُبًا، وما إلى ذلك.

ومع هذا لا ينبغي أن يَشْتَدَّ المسلم في إنكار التمائم إذا كانت من القرآن وذِكْر الله، أو يُغَيِّرها بيده، فإنه من المُقَرَّر: أن لا إنكار في المسائل الاجتهادية الخِلافية، ولا سيما أن ابن مسعود وأصحابه كانوا ـ كما رَوَى إبراهيم ـ يَكْرَهُون التمائم كلها، فهم يكرهونها فقط. وإن كان من حق المسلم المُقْتَنِع برأي أن يُقِيم الدليل على صِحَّة ما ذهب إليه، وبيان خطأ الرأي الآخر، برِفْق وحِكْمة، دون طَعْن أو تجريح للآخرين، ودون عُنْف مُصاحِب للبيان.
وهذا ما جعل الإمام البنا يقول في أصله هذا: “وكل ما كان من هذا الباب مُنْكَر تَجِب مُحارَبَتُه، إلا ما كان آية من قرآن أو رُقْية مأثورة”.
والإمام محمد بن عبد الوهاب في كتابه الشهير “التوحيد” يقول تعليقًا على حديث “الرُّقَى والتمائم والتِّوَلَة شِرْك”: التمائم: شيء يُعَلَّق على الأولاد من العَيْن، لكن إذا كان المُعَلَّق من القرآن فَرَخَّص فيه بعض السلَف، وبعضهم لم يُرَخِّص فيه، ويجعلُه من المنهي عنه، منهم: ابن مسعود ـ رضي الله عنه. (فتح المجيد ص 126 ـ 127)