وردت أحاديث صحيحة في نزول المسيح عليه السلام ، وهو ما استقر عليه رأي أهل العلم، ولكن هذه الأحاديث ليست بالمتواترة، فمن الحسن الإيمان بنزول عيسى عليه السلام ،ولكن من جحد نزوله لا يمكن الحكم عليه بالكفر أو الردة ، لأن العقائد في أصلها تبنى على المتواتر من الأدلة الشرعية ، وأحاديث نزول عيسى – عليه السلام – ليست متواترة .
يقول الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر السابق – رحمه الله -:

يدلُّ مجموع الأحاديث المروية في كتُب السُّنَّة على أن عيسى ـ عليه السلام ـ سينزل إلى الأرض داعيًا بالإسلام وحاكمًا بشريعته ومُتَّبِعًا رسول الله محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ، من هذا ما أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الأنبياء عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: “والذي نفسي بيده ليُوشِكَنَّ أن ينزل فيكم ابن مريم حَكَمًا عدلاً فيَكسِر الصليب ويَقتُل الخنزيرَ ويضَع الجِزْية، أي يُلغيها ولا يَقبلها من أحد من أهل الأديان الأخرى، إذ لا يَقبل منهم غير الإسلام دِينًا ويَفيض المال حتى لا يَقبَله أحدٌ حتى تكون السجدة الواحدة خيرًا مِن الدنيا وما فيها..”.

ثم قال أبو هريرة: اقرءوا ـ إنْ شئتم ـ قول الله ـ تعالى ـ: (وإنْ مِن أهْلِ الكِتابِ إلَّا لَيُؤْمِنُنَّ بهِ قبْلَ مَوْتِهِ ويومَ القِيامةِ يَكونُ عليهم شهيدًا).
وقد رواه مسلمٌ في صحيحه هكذا عن أبي هريرة وزاد أنه: “يَقْتُلُ الدَّجَّالَ”.
و هذا الحديث الشريف وأمثاله ليس مِن الأدلة القطعية الثبوت والدلالة؛ لأنه ليس مِن المُتواتر؛ فلا يُفيد قطعًا نُزول عيسى ـ عليه السلام ـ للأرض.

كذلك لم تُفِدْ آيات القرآن الكريم نُزوله على وجْهٍ قاطع، وإنْ كانت الآيتانِ: 159 من سورة النساء، 61 من سورة الزخرف تحتملانِ الدلالة على هذا في أحدِ التأويلات الكثيرة لكلٍّ منهما، والتي أوردها في تفسيره.

ولما كانت أسس العقيدة الإسلامية إنما تثبت بالدليل القطعي الثبوت والدلالة من القرآن والسُّنَّة، فإن مَن جَحد نُزول عيسى ـ عليه السلام ـ وعوْدته إلى الأرض لا يخرج عن الإسلام، ولا يُعتبر كافرًا؛ لأن ما جَحده غير ثابت بدليلٍ قطعيٍّ مِن القرآن أو السُّنَّة، ومع هذا فقد تقبَّل جمهور أهل العلْم ـ منذ حدَّث بهذا الحديث وبأمثاله الرُّواة مِن الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ ومنذ أن دُوِّنتْ السُّنَّة الشريفة، ونقل علماؤها الأحاديث الشريفة الدالَّة على نزول عيسى ـ عليه السلام ـ وعودته إلى الأرض ـ قَبُولاً حسنًا وآمنوا بها، وعَدُّوا نزوله مِن أشراط الساعة وعلاماتها الكبرى.

وأختار طريق هؤلاء والاقتداء بهم باعتبار ذلك خبَرًا عن المعصوم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ وهو لا يَنْطِق عن الهوى إنْ هو إلا وحْيٌ يُوحى. مع عدم تكفير مَن يَجْحد نزول عيسى، عليه السلام.