يرى الأحناف أنه يجوز للمرء قتل الحية بكل أنواعها في أي مكان دون إنذار ،ويجوز قتل كل ما يؤذي من الحشرات ، أما مذهب الجمهور أن الحيات التي تعمر البيوت ،فإنها تنذر ثلاثة أيام ،فإن ظهر منها أذى قتلت ،أما الحيات في غير العمران فإنها تقتل بلا إنذار .

يقول فضيلة المستشار فيصل مولوي-رحمه الله تعالى- نائب رئيس المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء :

وردت أحاديث صحيحة عن الحية، وبوَّب لها الإمام مسلم في صحيحه بقوله: كتاب قتل الحيات وغيرها ج 7 ص 37 وأورد حديثاً رأينا أن نذكره لعموم الفائدة: (دخل رجل على أبي سعيد الخدري في بيته قال: فوجدته يصلي فجلست أنتظره حتى يقضي صلاته فسمعت تحريكاً في عراجين في ناحية البيت فالتفت فإذا حية فوثبت لأقتلها فأشار إلي أن اجلس فجلست، فلما انصرف أشار إلى بيت في الدار فقال: أترى هذا البيت فقلت: نعم، قال: كان فيه فتى منا حديث عهد بعرس قال: فخرجنا مع رسول الله (صلَى الله عليه وسلَم) إلى الخندق فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله (صلَى الله عليه وسلَم) بأنصاف النهار فيرجع إلى أهله فاستأذنه يوما،ً فقال له رسول الله (صلَى الله عليه وسلَم): خذ عليك سلاحك فإني أخشى عليك قريظة، فأخذ الرجل سلاحه ثم رجع فإذا امرأته بين البابين قائمة فأهوى إليها الرمح ليطعنها به وأصابته غيرة فقالت له: أكفف عليك رمحك وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني فدخل فإذا بحية عظيمة منطوية على الفراش فأهوى إليها بالرمح فانتظمها به ثم رجع فركزه في الدار، فاضطربت عليه فما يدري أيهما كان أسرع موتاً الحية أم الفتى، قال: فجئنا إلى رسول الله (صلَى الله عليه وسلَم) فذكرنا ذلك له وقلنا ادع الله يحييه لنا فقال: (استغفروا لصاحبكم) ثم قال: (إن بالمدينة جناً قد أسلموا فإذا رأيتم منهم شيئاً فآذنوه ثلاثة أيام فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان) صحيح مسلم ج7 ص40- 41 دار المعرفة بيروت.

أما كيفية الاستئذان فقد ورد عن عبدِ الرحمَنِ بنِ أبي لَيْلَى، قال: قال أبو لَيْلَى: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: “إذا ظَهَرَتْ الحيّةُ في المَسْكَنِ فَقُولُوا لها إنّا نَسْأَلُك بِعَهْدِ نوحٍ وبعهدِ سليمانَ بنِ داودَ أنْ لا تُؤْذِينَا، فإنْ عادتْ فاقْتُلوها. أخرجه أبو داود . قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لا نعرفُهُ من حديث ثابتٍ البُنَانِيّ إلا من هذا الوَجْهِ من حديثِ ابنِ أبي ليلَى.
أهـ
قال فضيلة الشيخ المباركفوري في كتابه تحفة الأحوذي :
اعلم أنه ورد في قتل الحيات أحاديث مختلفة، ولأجل ذلك اختلف أهل العلم، فذهب طائفة منهم إلى قتل الحيات أجمع، في الصحاري والبيوت، بالمدينة وغير المدينة، ولم يستثنوا نوعاً وجنساً ولا موضعاً، واحتجوا في ذلك بأحاديث جاءت عامة، وقالت : تقتل الحيات أجمع، إلا سواكن البيوت بالمدينة وغيرها، فإنهن لا يقتلن، لما جاء في حديث أبي لبابة وزيد بن الخطاب من النهي عن قتلهن بعد الأمر بقتل جميع الحيات. وقالت طائفة: تنذر سواكن البيوت في المدينة وغيرها فإن بدين بعد الإنذار قتلن. وما وجد منهن في غير البيوت يقتل من غير إنذار. وقال مالك: يقتل ما وجد منها في المساجد، واستدل هؤلاء بقوله صلى الله عليه وسلم: إن لهذه البيوت عوامر، فإذا رأيتم منها شيئاً فحرجوا عليها ثلاثاً، فإن ذهب وإلا فاقتلوه، وقالت طائفة: لا تنذر إلا حيات المدينة فقط، وأما حيات غير المدينة في جميع الأرض والبيوت، فتقتل من غير إنذار.
وقالت طائفة: يقتل الأبتر وذو الطفيتين من غير إنذار سواكن بالمدينة وغيرها.

واختلف العلماء في شأن الحيات،

فقيل: تقتل جميعاً سواء كانت في الصحارى أو في البيوت فوراً.

وقيل: إن التي في البيوت تنذر ثلاثة أيام ثم تقتل.

وقيل: إن ذلك خاص ببيوت المدينة.

ولكل من هذه الأقوال مستند من الأحاديث الواردة في هذا الموضوع غير أنهم أجمعوا على الأمر بقتل التي في الصحارى فوراً.
والصحيح من الأقوال أنه صلى الله عليه وسلم أمر أولاً بقتل الحيات مطلقاً، ثم بعد ذلك نهى عن حيات البيوت باستثناء ذي الطفيتين والأبتر. وذو الطفيتين: الحية التي في ظهرها خطان. والأبتر: قصير الذنب.
ويدل لذلك حديث ابن عمر قال: سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول: “اقتلوا الحيات، واقتلوا ذا الطفيتين والأبتر، فإنهما تسقطان الحبل وتطمسان البصر”، قال ابن عمر: فرآني أبو لبابة أو زيد بن الخطاب وأنا أطارد حية فنهاني، فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتلهن، فقال: إنه قد نهى بعد ذلك عن قتل ذوات البيوت. متفق عليه. شرح السنة للبغوي .

وجاء عنه صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخبروه فيه أن شاباً ضرب حية فاضطربت فخر ميتاً فما يدرى أيهما أسرع موتاً: الفتى أم الحية؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن بالمدينة جنَّا قد أسلموا ، فإذا رأيتم منهم شيئاً فآذنوه ثلاثة أيام، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه، فإنما هو شيطان”، أخرجه مالك في الموطأ. تنوير الحوالك 3/143.

قال بعض العلماء لا يلزم أن تؤذن الحيات إلا في المدينة خاصة لهذا الحديث، لقوله: “إن بالمدينة جناً قد أسلموا”. وقال بعض العلماء: المدينة وغيرها في ذلك سواء لأن من الحيات جناً وجائز أن يكنّ بالمدينة وغيرها، وأن يسلم من شاء الله منهن، قال ابن عبد البر: والعلة الظاهرة في الحديث إسلام الجن وذلك شيء لا يوصل إلى معرفته، والأولى أن تنذر عوامر البيوت كلها، وقد روي ذلك عن مالك، والإنذار أن يقول الذي يرى الحية في بيته: أحرّج عليك أيتها الحية بالله واليوم الآخر أن تظهري لنا أو تؤذينا. التمهيد (16/263).
فتحصل من هذا أن الحيات التي في بيوت المدينة لا تقتل إلا بعد الإنذار ثلاثة أيام، باستثناء ذا الطفيتين والأبتر فيقتلان دون إنذار.
وأما في غير المدينة فقيل تنذر، وقيل: تقتل فوراً، وأما التي في الصحراء فتقتل فوراً بلا خلاف.