الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو على أولادهما لهما أن يفطرا، أما القضاء والفِدية فإن ابن حزم لا يوجب شيئًا منهما، وابن عباس وابن عمر يوجبان الفدية فقط دون قضاء، والأحناف يوجبون القضاء فقط دون فدية، والشافعية والحنابلة يوجبان القضاء والفدية معًا إن خافتا على الولد فقط، أما إذا خافتا على أنفسهما فقط أو على أنفسهما وعلى ولديهما فعليهما القضاء فقط دون فدية،والراجح أن على المرأة القضاء إن لم يتتابع عليها الحمل والإرضاع؛ فإن كانت بحيث لا تخلو إلاأن تكون حاملا أو مرضعا، وتخشى على نفسها أو جنينها أو رضيعها فهنا يرجح رأي بعض العلماء أن عليها الفدية فقط.
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:
يصح للمرأة الحامل أن تفطر في رمضان إذا خافت على جنينها أن يموت.. لها أن تفطر .. بل إذا تأكد هذا الخوف أو قرره لها طبيب مسلم ثقة في طبه ودينه، يجب عليها أن تفطر حتى لا يموت الطفل، وقد قال تعالى :(وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم) (الأنعام: 151، والإسراء: 31) وهذه نفس محترمة، لا يجوز لرجل ولا لامرأة أن يفرط فيها ويؤدي بها إلى الموت .
والله تعالى لم يعنت عباده أبدًا، وقد جاء عن ابن عباس أيضًا أن الحامل والمرضع ممن جاء فيهم (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)البقرة 184 .
وإذا كانت الحامل والمرضع تخافان على أنفسهما فأكثر العلماء على أن لهما الفطر وعليهما القضاء فحسب .. وهما في هذه الحالة بمنزلة المريض .
أما إذا خافت الحامل أو خافت المرضع على الجنين أو على الولد، فقد اختلف العلماء بعد أن أجازوا لها الفطر بالإجماع هل عليها القضاء أم عليها الإطعام تطعم عن كل يوم مسكينًا، أم عليها القضاء والإطعام معًا، اختلفوا في ذلك، فابن عمر وابن عباس يجيزان لها الإطعام وأكثر العلماء على أن عليها القضاء، والبعض جعل عليها القضاء والإطعام، وقد يبدو لي أن الإطعام وحده جائز دون القضاء، بالنسبة لامرأة يتوالى عليها الحمل والإرضاع، بحيث لا تجد فرصة للقضاء، فهي في سنة حامل، وفي سنة مرضع، وفي السنة التي بعدها حامل .. وهكذا .. يتوالى عليها الحمل والإرضاع، بحيث لا تجد فرصة للقضاء، فإذا كلفناها قضاء كل الأيام التي أفطرتها للحمل أو للإرضاع معناها أنه يجب عليها أن تصوم عدة سنوات متصلة بعد ذلك، وفي هذا عسر، والله لا يريد بعباده العسر .
ويقول فضيلة الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر ـ رحمه الله ـ في كتابه أحسن الكلام في الفتوى والأحكام:
يقول الله تعالى عن الصيام (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِين) (سورة البقرة: 184) للعلماء في تفسير هذه الآية رأيان، رأي يقول بأن الصيام كان في أول أمره على التخيير، من شاء ممن يطيقونه ويقدرون عليه أن يصوموا أو يفطروا، وعليهم بدل الإفطار أن يُخرجوا فِدية هي طعام مِسْكين ومع التخيير فالصوم أفضل، ثم نُسِخَ هذا الحكم وفُرِضَ على من يطيقون الصيام أن يصوموا، ولا يجوز لهم الفِطْر والإطعام وذلك لقوله تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) سورةالبقرة: 185، فالناسخ هو هذه الآية، وأما (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌطَعَامٌ مِسْكِين) البقرة : 184، فكان من أراد أن يفطر ويفتدي حتى أنزلت الآية التي بعدها فنسختها .
ورأي يقول بأن الصيام فرض على كل القادرين عليه فقط، وأُبيح الفطرُ للمريض والمسافر ومن يطيقونه أي يتحملونه بمَشقة شديدة حيث فسَّروا الإطاقة بذلك، وهم كبار السن، وفُرض على المريض والمسافر القضاء، وعلى كبار السن الفِدية فقط دون قضاء؛ لأنه شاق عليهم كلما تقدَّمت بهم السِّن، ومثلهم المريض الذي لا يُرجى برؤه، ولا يرجى أن يقدر على القضاء فهؤلاء يفطرون ويُخْرِجون الفدية .
روى البخاري عن عطاء أنه سمع ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ يقرأ (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِين) قال ابن عباس: ليست بمنسوخة، هي للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما، فيطعمان مكان كلِّ يوم مسكينًا .
وبعض العلماء المعاصرين ـ كالشيخ محمد عبده ـ يقيس على الشيوخ الضعفاء والمرضى بمرض مُزْمِن فيقول : العمال الذين جعل الله معاشهم الدائم بالأشغال الشاقة كاستخراج الفحم الحجري من مناجمه، وكذلك يلحق بهم المجرمون المحكوم عليهم بالأشغال الشاقة المُؤبدة إذا قدر عليهم الصيام بالفعل، فليس عليهم صيام ولا فِدية حتى لو ملكوها .
أما الحُبلى والمرضع فإذا خافتا من الصيام على أنفسهما، أو على أولادهما فيرى ابن عمر وابن عباس أنهما يفطران ويُخرجان الفِدية ولا قضاء عليهما إلحاقًا لهما بكبار السِّن .
روى أبو داود عن عِكْرمَة عن ابن عباس قال في قوله تعالى( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ) : كانت رُخْصَة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما لا يُطيقان الصيام ـ يعني يتحملانه بمشقة شديدة ـ أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكينًا، والحُبلى والمرضع إذا خافتا ـ يعني على أولادهما ـ أفطرتا وأطعمتا، ورواه البزَّار وزاد في آخره، كان ابن عباس يقول لأم ولد له حُبْلَى: أنت بمنزلة الذي لايطيقه فعليك الفِداء ولا قضاء عليك وصحح الدارقُطني إسناده .
وروى مالك والبيهقي عن نافع أن ابن عمر سئل عن المرأة الحامل إذا خافت على ولدها فقال: تفطر وتطعم مكان كلِّ يوم مسكينًا مُدا من حِنْطة. وفي الحديث “إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة ـأي قصر الصلاة ـ وعن الحُبلى والمرضع الصوم” رواه الخمسة (أحمد وأصحاب السنن)
وعليه فإن الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو على أولادهما لهما أن يفطرا، أما القضاء والفِدية فإن ابن حزم لايوجب شيئًا منهما، وابن عباس وابن عمر يوجبان الفدية فقط دون قضاء، والأحناف يوجبون القضاء فقط دون فدية، والشافعية والحنابلة يوجبان القضاء والفدية معًا إن خافتا على الولد فقط، أما إذا خافتا على أنفسهما فقط أو على أنفسهما وعلى ولديهما فعليهما القضاء فقط دون فدية “نيل الأوطار ج 4 ص 243ـ 245 .