ما شرعه الإسلام من إعطاء المؤلفة قلوبهم سهماً من الزكاة دليل على ما في هذه الشريعة من الرحمة والإحسان، وحب الخير والهداية للإنسان، ودليل كذلك على أهمية إيصال الدعوة إلى الناس وإزالة العقبات التي تمنع ذلك من رئاسة أو مال أو جاه ، سعياً إلى هدايتهم، أو سلوكهم طريق الحياد على الأقل.
فالإسلام من غاياته ومقاصده نشر دعوته وإظهار نوره، وتمكين العقول والأفئدة من التفكر فيه والتدبر في عظمته. ولما كان بعض الكبراء والرؤساء يقفون حجر عثرة في الطريق، كان استمالتهم وتألفهم بالمال والإحسان ليخلوا بين الناس وبين الإسلام، وليجدوا هم في الإسلام ما يشبع نهمتهم، التي ما تلبث أن تتهذب بعد إسلامهم. وهذا أمر محمود حسن بل في غاية الحسن والكمال.
وكذلك قد يدخل الرجل في الإسلام دون قناعة تامة به، فيظل مهزوز الاعتقاد، مرتاب القلب، لا يكاد يفرق بين الإسلام والمذاهب الأرضية، حتى إذا ما رأى صفاء الإسلام ونقاءه، ورحمته وإحسانه، وبذل أهله أموالهم -تقرباً إلى الله- لإخوانهم، وتوادهم وتعاطفهم، أدرك أن ديناً يصنع بأهله ذلك دين رباني إلهي لا يقارن بمذاهب الناس وأهوائهم.
والحاصل أن الإسلام ليس بحاجة إلى أحد لكنه حريص على هداية كل أحد.

وقد اختلف العلماء في المراد بالمؤلفة قلوبهم الذين يعطون من الزكاة:
فقيل : هم قوم كانوا في صدر الإسلام ممن يظهر الإسلام، ويتألف بدفع سهم من الصدقة إليهم لضعف إيمانهم.
وقيل: هم صنف من الكفار يعطون ليتألفوا على الإسلام.
وقيل: هم قوم من عظماء المشركين لهم أتباع، يعطون ليتألفوا أتباعهم على الإسلام.
يقول القرطبي رحمه الله ( والمشركون ثلاثة أصناف: صنف يرجع بإقامة البرهان، وصنف بالقهر، وصنف بالإحسان، والإمام الناظر للمسلمين يستعمل مع كل صنف ما يراه سبباً لنجاته وتخليصه من الكفر). أهـ

واختلف العلماء في بقاء سهم المؤلفة قلوبهم، فذهب الأحناف إلى انقطاع هذا السهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وظهور الدين وقوته، فلا يعطى مشرك تألفاً بحال.
وذهب الجمهور إلى بقاء هذا السهم، وأنه متى دعت الحاجة إلى إعطائهم أعطوا.

ولكننا نقول هنا بعدم جواز إعطاء الخادمة من الزكاة بقصد تأليف قلبها للإسلام ؛ لأن المعطي هنا يدفع بالزكاة مذمة عنه ، بمعنى أنه يأسرها بإحسانه فيكون هو المستفيد من الزكاة لا الإسلام ، والإنسان أسير الإحسان ، والخادمة هنا ستنظر في النهاية لمن أعطاها الزكاة نظرة إكبار وتعظيم مما يجعلها أسيرة عنده .