تباينت أقوال المفسرين في معنى هذه الآية ، ويمكن إيجاز ذلك فيما يلي:
-أن الرجل كان إذا مات ورث أولياؤه امرأته ،فكانوا أحق بها من أهلها ،فمن شاء تزوجها ،أو زوجها من شاء ،أو تركها دون زواج. وقيل :إن الرجل كان إذا مات وضع ابنه ثوبًا على امرأة أبيه ،فأصبحت من حقه ،إن شاء تزوجها دون صداق .
-وقيل :إن بعض الرجال كان عندهم نساء عواجز ،وكانوا يرغبون في نكاح الشابة ،فكانوا يمسكون المرأة العجوز حتى تفدي نفسها أو تموت فيرثها.
-وقيل :كان الرجال لا يطلقون النساء ،بل يضيقون عليهن في المعيشة حتى يفتدين أنفسهن،فنزلت الآية تنهى عن ذلك ،وهذا ما اختاره الإمام القرطبي في تفسيره بعد إيراده أقوال المفسرين،فقال: الآية: {يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيرا كثيراً}.
قوله تعالى: “لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها” :والمقصود نفي الظلم عنهن وإضرارهن؛ والخطاب للأولياء. أي لا يحل لكم وراثة النساء كرهًا
واختلفت الروايات وأقوال المفسرين في سبب نزولها:
– فروى البخاري عن ابن عباس “يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن” قال: كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته، إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاؤوا زوجوها، وإن شاؤوا لم يزوجوها، فهم أحق بها من أهلها فنزلت هذه الآية في ذلك. وأخرجه أبو داود بمعناه.
-وورد أنه كان من عادتهم إذا مات الرجل يلقي ابنه من غيرها أو أقرب عصبته ثوبه على المرأة فيصير أحق بها من نفسها ومن أوليائها؛ فإن شاء تزوجها بغير صداق إلا الصداق الذي أصدقها الميت، وإن شاء زوجها من غيره وأخذ صداقها ولم يعطها شيئًا؛ وإن شاء عضلها لتفتدى منه بما ورثته من الميت أو تموت فيرثها، فأنزل الله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها”. فيكون المعنى: لا يحل لكم أن ترثوهن من أزواجهن فتكونوا أزواجًا لهن.
– وقيل: كان الوارث إن سبق فألقى عليها ثوبًا فهو أحق بها، وإن سبقته فذهبت إلى أهلها كانت أحق بنفسها.
– قال السدي وقيل: كان يكون عند الرجل عجوز ونفسه تتوق إلى الشابة فيكره فراق العجوز لمالها فيمسكها ولا يقربها حتى تفتدي منه بمالها أو تموت فيرث مالها. فنزلت هذه الآية. وأمر الزوج أن يطلقها إن كره صحبتها ولا يمسكها كرها؛ فذلك قوله تعالى: “لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها”.
– والمقصود من الآية إذهاب ما كانوا عليه في جاهليتهم، وألا تجعل النساء كالمال يورثن عن الرجال كما يورث المال.
– وقيل: لأزواج النساء إذا حبسوهن مع سوء العشرة طماعية إرثها، أو يفتدين ببعض مهورهن، وهذا أصح.
واختاره ابن عطية قال: ودليل ذلك قوله تعالى: “إلا أن يأتين بفاحشة) وإذا أتت بفاحشة فليس للولي حبسها حتى يذهب بمالها إجماعا من الأمة، وإنما ذلك للزوج.انتهى من كتاب تفسير القرطبي بتصرف