يقول فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا-رحمه الله تعالى-:
حديث:(إذا تحيرتم في الأمور فعليكم بأصحاب القبور)هذ الحديث لا أصل له ولم يروه المحدثون ولكن ورد في حديث أنس عند البيهقي أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشكا إليه قسوة القلب فقال:(اطلع في القبور واعتبر في النشور) وقال البيهقي: متن هذا الحديث منكر, وراويه مكي بن نمير مجهول.

ولو صح الحديث لكان بمعناه لأن من تحير في أمره وضاق له صدره فتفكر في أصحاب القبور وكيف تركوا كل شيء كان يهمهم ولقوا ربهم هان عليه الأمر واتسع منه الصدر.

ثم إن عبارة الحديث تدل على وضعه لمن ذاق طعم الأساليب العربية الفصيحة فلعل واضعه من المتأخرين، وناهيك بنكارة متنه ومخالفته لظاهر أصول الدين لا سيما إذا حمل على ما ذكرتم.

وإذا فرضنا أن الحديث صح وكان معناه جواز الاستعانة بالمقبورين دون ما أولناه به فإننا نرجح عليه ما يعارضه مما هو أقوى منه كحديث الطبراني مرفوعًا:(إنه لا يستغاث بي إنما يستغاث بالله تعالى) وحديث ابن عباس مرفوعًا:(وإذا استعنت فاستعن بالله) بل عندنا القطعي كقوله تعالى: [وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ](الفاتحة:5) فإنها نص في عدم جواز الاستعانة بغير الله تعالى كما أن قوله عز وجل: [إِيَّاكَ نَعْبُدُ](الفاتحة:5) نص في عدم جواز عبادة غيره لمكان الحصر في تقديم المفعول.

ومن عجائب تحريف المسلمين الجغرافيين لنصوص القرآن القطعية ما أطلعنا عليه بعض الناس من تأويل [وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ](الفاتحة:5)، إذ قال المحرف: إن الاستعانة على ضربين: حقيقية، وهي الممنوعة بنص الآية، ومجازية كالاستعانة بالموتى الصالحين, وهي جائزة لا تمنعها الآية, ولا يتناولها الحصر فيها.

ولو صح هذا لصح أن يقال مثله في [إِيَّاكَ نَعْبُدُ](الفاتحة:5) ويقال: إن العبادة حقيقية ومجازية؛ فالأولى لله والثانية لغيره فيعبد هؤلاء المحرفون غير الله ويسمون عبادتهم مجازية لا يخرجون بها من دائرة الإسلام وحظيرة الإيمان، ونعوذ بالله من الخذلان، فإن هذا الضرب من التحريف للنصوص القاطعة لم يسمع عن أمة من الأمم أقبح منه ولا يمكن أن يثبت معه دين!!

ولذلك نقول تبعًا للأئمة المجتهدين: إنه لا يجوز لأحد أن يأخذ في الدين بكلام عالم ما لم يعرف دليله، فإن كان الدليل حديثًا شريفًا فلا تصح الثقة به إلا إذا نقل عن المحدثين الثقات الذين رووه لتعرف درجته وتمكن مراجعته.