من المقرر شرعًا أنه لايجوز للمرأة المسلمة أن تتزوج غير المسلم،ولكن إن كانت هي غير مسلمة ثم أسلمت ،وبقي زوجها على كفره ،هل تبقى معه ،وتعاشره معاشرة الأزواج ،أم ينفسخ العقد بإسلامها؟
الجمهور على أن المرأة إذا أسلمت لا يجوز لها أن تعاشر زوجها معاشرة الأزواج ،فهو يحرم عليها ، أما عقد الزواج فالجمهور على أنه يفسخ،ولها أن تتزوج بعد العدة ،فإن تزوجت بعد العدة انقطعت صلتها بزوجها الأول ، وقيل :تمكث فترة عدتها ،فإن أسلم لم يحتاجا إلى عقد جديد،بل هو زوجها ،وقيل :لها أن تنتظره ولو سنين،ولكن لا تعاشره معاشرة الأزواج ،هذا إن شاءت ،وإن شاءت تزوجت بعد العدة ،وهناك رأي يرى أنها تمكث معه كزوج لها ،وأرجح الآراء أنها يحرم عليها معاشرته معاشرة الأزواج وتمكث فترة العدة ،وتعرض عليه الإسلام ،فإن رفض رفعت دعوى قضائية بفسخ العقد ،وقال بعض الفقهاء :بل لإشهار فسخ العقد ،لأن العقد فسخ ببقائه على الكفر ،وإن كان أولى توثيق هذا الفسخ من المحكمة .

وقد تناول الشيخ فيصل مولوي-رحمه الله تعالى- نائب رئيس المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث هذا الموضوع فقال:
المبحث الأول: آراء الفقهاء:
من المعلوم أنّ المرأة المسلمة لا يجوز لها أن تتزوّج غير مسلم، وإذا وقع مثل هذا الزواج فهو باطل بإجماع المذاهب. ولكن إذا كان الزوجان في الأصل غير مسلمين، ثمّ أسلمت الزوجة وبقي زوجها على دينه، فما هو الحكم الشرعي في هذه المسألة؟

أولاً: إذا كان الزوج ممّن لا يصحّ للمسلمة الزواج منه، كما لو كان من محارمها، أو كانت بينها وبينه رضاعة محرّمة أو غير ذلك، فقد وقعت الفرقة الشرعية بينهما فوراً، فلا يجوز لها أن تساكنه في مسكن واحد، لأنّه حتّى لو أسلم فإنّ الزواج بينهما باطل. ويجوز لها أن تتزوّج غيره حين تنتهي عدّتها.
ثانياً: إذا كان الزوج ممّن يجوز استمرار زواجها منه فيما لو أسلم، لعدم وجود مانع آخر، وأسلمت زوجته وبقيت تعيش في وطنها القومي خارج دار الإسلام، فللفقهاء في هذه المسألة عدّة آراء:

الرأي الأول: انفساخ النكاح بمجرّد الإسلام، سواء أسلم بعدها بطرفة عين أو أكثر أو لم يسلم، ولا سبيل له عليها إلاّ بنكاح جديد بعد إسلامه، هذا رأي ابن حزم ومن معه من الظاهرية. وقد استدلّ بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنفَقُوا وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيم} .
وجه الاستدلال أنّ الآية أباحت للمسلمين نكاح من أسلمت وبقي زوجها كافراً، ممّا يعني زوال النكاح الأول.
الرأي الثاني: إذا كان إسلام المرأة قبل دخول زوجها بها وقعت الفرقة في الحال، وإذا كان إسلامها بعد دخول زوجها بها، توقّفت الفرقة على انقضاء العدّة، فإن أسلم الزوج قبل انقضائها بقيا على نكاحهما، وإن لم يسلم حتّى انقضت العدّة وقعت الفرقة بينهما. هذا هو مذهب الشافعية والحنابلة والمالكية واستدلّوا على رأيهم بما يلي:
أ – اختلاف الدين بين المسلمة وزوجها الكافر يمنع الإقرار على النكاح، فإذا وجد قبل الدخول تعجّلت الفرقة لأنّ ملك النكاح غير متأكّد بالدخول فينقطع بمجرّد الإسلام.
بـ – أنّ الطلاق قبل الدخول يقطع النكاح في الحال، وكذلك الإسلام قبل الدخول يقاس عليه.
جـ – رواية ابن شهاب: (لم يبلغنا أنّ امرأة هاجرت إلى الله ورسوله، وزوجها كافر مقيم في دار الكفر، إلاّ فرّقت هجرتها بينها وبين زوجها، إلاّ أن يقدم زوجها مهاجراً قبل أن تنقضي عدّتها) .
د – إسلام زوجة صفوان بن أميّة يوم الفتح، وإسلام زوجها بعد شهر، ولم يفرّق بينهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم . وكذلك إسلام أمّ حكيم بنت الحارث بن هشام يوم الفتح وهرب زوجها عكرمة إلى اليمن، فارتحلت أمّ حكيم إليه في اليمن ودعته إلى الإسلام فأسلم وقدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأبقاهما على نكاحهما ذلك .
الرأي الثالث: يفرّق بين دار الإسلام ودار الحرب وهو مذهب الأحناف. ونقتصر على ذكر رأيهم فيما إذا أسلمت الزوجة وهي مع زوجها في دار الحرب. فإذا أسلم زوجها خلال العدّة (ثلاث حيضات أو ثلاثة أشهر) فالنكاح باق بينهما، وإذا لم يسلم وقعت الفرقة بينهما.
حجّتهم:
أنّ الفرقة تقع، لا بمجرّد إسلام الزوجة، لأنّ الإسلام طاعة، والطاعة لا تكون سبباً لتفويت نعمة الزوجية وانقطاع النكاح. لكن لو أبقينا النكاح بينهما فإنّ مقاصده لا يمكن أن تحصل، إذ لا يجوز تمكين الكافر من استفراش المسلمة، فيُعرض الإسلام من غير إكراه على الزوج حتّى إذا أبى الدخول في الإسلام كان إباؤه هذا سبب الفرقة، وهو يصلح لذلك لأنّه معصية. لكن عرض الإسلام غير ممكن إذا كان مقيماً في دار الحرب، فيقام شرط البينونة في الطلاق الرجعي (وهو مضيّ ثلاث حيضات أو ثلاثة أشهر) مقام سبب الفرقة، ويكون مضيّ مدّة العدّة بمنزلة تفريق القاضي .

الرأي الرابع: إذا أسلمت الزوجة قبل زوجها لم ينفسخ النكاح بإسلامها، سواء بقيت في دار الحرب أو هاجرت إلى دار الإسلام. كما أنّ مراعاة زمن العدّة لا دليل عليه من نصّ ولا إجماع، ولا يُعرف في شيء من الأحاديث، ولا كان النبيّ يسأل المرأة إذا انقضت عدّتها أم لا. لكن الذي دلّ عليه حكمه – صلّى الله عليه وسلّم – أنّ النكاح موقوف، فإن أسلم قبل انقضاء عدّتها فهي زوجته، وإن انقضت عدّتها فلها أن تنكح من شاءت، وإن أحبّت انتظرته، فإن أسلم كانت زوجته من غير حاجة إلى تجديد نكاح. هذا رأي الإمام ابن القيّم ذكره في إعلام الموقّعين [جـ 2، ص 351] وفي زاد المعاد [جـ 5، ص 133 وما بعدها].
وقد نقله عنه الصنعاني في سبل السلام وعقّب عليه مؤيّداً بقوله: (وهو أقرب الأقوال في المسألة) كما نقله الشوكاني في نيل الأوطار وقال: (هذا كلام في غاية الحسن والمتانة).
وقد نقله عنه السيد سابق رحمه الله في فقه السنّة وقال: قال صاحب الروضة الندية بعدما نقل هذا الكلام – أي كلام ابن القيّم -: (إنّ إسلام المرأة مع بقاء زوجها في الكفر ليس بمنزلة الطلاق، إذ لو كان كذلك لم يكن له عليها سبيل بعد انقضاء عدّتها إلاّ برضاها مع تجديد العقد. فالحاصل أنّ المرأة المسلمة إن حاضت بعد الإسلام، ثمّ طهرت كان لها أن تتزوّج بمن شاءت. فإذا تزوّجت لم يبق للأول عليها سبيل إذا أسلم، وإن لم تتزوّج كانت تحت عقد زوجها الأول. ولا يعتبر تجديد لعقد ولا تراض. هذا ما تقتضيه الأدلّة وإن خالف أقوال الناس).
كما نقله من المعاصرين الشيخ خالد عبد القادر في (فقه الأقلّيات المسلمة) وقال إنّه مذهب (علي وابن عبّاس والنخعي والزهري وابن تيمية) واعتبره الرأي الراجح الذي تقتضيه الأدلّة والأحداث.
أمّا الأدلّة على هذا الرأي فخلاصتها:
أ – حديث ابن عبّاس أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم (ردّ ابنته زينب على زوجها أبي العاص بن الربيع بالنكاح الأول، لم يحدث شيئاً) رواه أحمد وأبو داود، وفي لفظ (لم يحدث صداقاً) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه. وفي لفظ آخر (لم يحدث شهادة ولا صداقاً) رواه أحمد وأبو داود. وفي لفظ (لم يحدث نكاحاً) رواه الترمذي وقال: هذا حديث ليس بإسناده بأس . قال الشوكاني عن هذا الحديث: صحّحه الحاكم. وقال ابن كثير في الإرشاد: هو حديث جيد قوي. وقال الخطابي: هو أصحّ من حديث عمرو بن شعيب كما قال البخاري: وحديث عمرو بن شعيب يقول: (إن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ردّ ابنته على أبي العاص بمهر جديد ونكاح جديد) وقد ضعّف حديث عمرو بن شعيب الترمذي وقال: في إسناده مقال. وقال أحمد عنه: هذا حديث ضعيف. وقال الدارقطني: هذا حديث لا يثبت.
وكانت زينب بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أسلمت منذ أول البعثة، ولم تهاجر إلى المدينة إلاّ بعد غزوة بدر بقليل – والظاهر أنّها بقيت بمكّة مع زوجها أبي العاص – وغزوة بدر كانت في السنة الثانية بعد الهجرة، ولم ينزل تحريم المسلمات على الكفّار إلاّ بعد الحديبية سنة ستّ من الهجرة عندما وفدت بعض النساء المسلمات مهاجرات وطلبت قريش إرجاعهنّ إليها عملاً بصلح الحديبية، فنزلت الآية: {.. فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ..} . وأسلم أبو الربيع بعد الحديبية بسنتين أي في السنة الثامنة للهجرة، فأعاد له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زوجته زينب بالنكاح الأول ودون عقد جديد – كما في رواية ابن عبّاس – رغم أنّها هاجرت وانقطعت عنه قبل ستّ سنين، ورغم أنّ تحريم بقاء المسلمة عند كافر مضى عليه سنتان. وقد حاول جمهور الفقهاء أن يؤوّلوا ذلك بناءً على رأيهم أنّه لا بدّ من التفريق بعد العدّة إذا لم يسلم الزوج، فقال بعضهم: إنّ العدّة قد تتأخّر مع بعض النساء وإنّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم عندما ردّها إلى زوجها كانت عدّتها غير منقضية، وواضح التعسّف في هذا التأويل. وقال غيرهم: المقصود بالنكاح الأول: أنه لم يحدث زيادة شرط ولا مهر. ولكن ابن القيّم ردّ على هذا القول بأنّه: (لم يُعرف اعتبار العدّة في شيء من الأحاديث، ولا كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسأل المرأة: هل انقضت عدّتها أم لا).
ب – روى البخاري عن ابن عبّاس قال: (كان المشركون على منزلتين من النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أهل حرب يقاتلهم ويقاتلونه، وأهل عهد لا يقاتلهم ولا يقاتلونه. فكان أذا هاجرت امرأة من أهل الحرب، لم تخطب حتّى تحيض وتطهر، فإذا طهرت حلّ لها النكاح، فإن هاجر زوجها – أي أسلم وهاجر – قبل أن تنكح رُدت إليه) ومعنى ذلك أنّ نكاحها الأول يبقى قائماً ولكنّه موقوف – بمعنى عدم حلّ المعاشرة الزوجية بينهما – حتّى إذا تزوّجت من آخر انحلّ العقد الأول، وإذا أسلم زوجها قبل أن تتزوّج غيره رُدّت إليه.
جـ – عن ابن عبّاس قال: (أسلمت امرأة فتزوّجت، فجاء زوجها فقال: يا رسول الله، إنّي كنت أسلمت، وعلمت بإسلامي، فانتزعها رسول الله من زوجها الآخر، وردّها إلى زوجها الأول) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وصحّحه ابن حبّان والحاكم ووافقه الذهبي. والحديث لم يبيّن أنّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم استوضحها هل علمت بإسلامه قبل انقضاء العدّة أو بعدها، ممّا يدلّ على أنّ العدّة لا اعتبار لها، وأنّها إن علمت بإسلامه قبل أن تتزوّج غيره، فعقدها على الزوج الأول قائم.
د – لو كان مجرّد إسلام الزوجة يؤدّي إلى الفرقة، لم تكن فرقة رجعية بل بائنة، وبالتالي لا يكون للعدّة أثر في بقاء النكاح، ولكن أثرها في منع نكاح الغير لها. فلو كان الإسلام قد فرّق بينهما فراقاً بائناً لم يكن زوجها أحقّ بها في العدّة إذا أسلم ، كما يرى جمهور الفقهاء.
هذه خلاصة آراء الفقهاء والمذاهب في هذه المسألة، ولننتقل الآن إلى:
المبحث الثاني: الظروف الجديدة المتعلّقة بهذه المسألة:
وحتّى تكون الفتوى في هذا الموضوع أقرب إلى الصواب، وتساعد على تحقيق مقاصد الشريعة، فإنّه لا بدّ من معرفة الظروف الجديدة التي تؤثّر في حالتنا هذه، سواء كان تأثيرها سلباً أو إيجاباً. وإنّني ألخّصها فيما يلي:
1 – أكثر دول العالم المعاصر تعتبر اليوم بالنسبة للمسلمين (دار عهد) وليست (دار حرب) باعتبار أنّ بينها وبين جميع الدول الإسلامية التزام بميثاق الأمم المتحدة والمواثيق المتفرّعة عنه، ولا نستثني من ذلك إلاّ مع اليهود.
2 – بسبب انتشار مبادئ الحرّية وحقوق الإنسان، وخاصّة في العالم الغربي، أصبح كثير من غير المسلمين من أبناء هذه الشعوب يدخل في الإسلام – رجالاً ونساءً – ولا يتعرّض في وطنه لأيّ ضغط من أجل إجباره على الارتداد عن دينه. صحيح أنّ المجتمع غير الإسلامي الذي يعيش فيه هؤلاء يجعلهم يشعرون بالكثير من الضيق، لكن هذا الأمر لم يصل إلى حدّ فتنتهم عن دينهم.
3 – بسبب انتشار الفكر العلماني في البلاد الغربية – الذي يقوم على فصل الدين عن الدولة – أصبح التشريع فيها علمانياً، ومع التطوّر أصبح التشريع العلماني شاملاً لمسائل الأحوال الشخصية، فأصبح الزواج والطلاق والمواريث وغيرها خاضعاً لأحكام القانون المدني، وإذا أسلمت المرأة الإنكليزية مثلاً، فإنّ إسلامها لا يعفيها من الخضوع لقانونها المدني ولو كان يخالف ديانتها المسيحية. إنّ المرأة المسلمة الغربية خاضعة بحكم جنسيّتها للقانون المدني السائد في بلدها. وهي خاضعة بحكم إسلامها إلى الأحكام الشرعية. ولا حلّ أمامها عند التعارض بين المرجعيّتين إلاّ التوفيق بينهما، وهذه في اعتقادي هي أهمّ ما يواجه (المجلس الأوروبي للبحوث والإفتاء).

المبحث الثالث: الموقف الشرعي في هذه المسألة كما نراه:
بناءً على جميع ما سبق يمكن تحديد الموقف الشرعي للمرأة إذا أسلمت وبقي زوجها على دينه كما يلي:
1 – إذا أسلمت المرأة، وبقي زوجها على دينه، تحرم عليها المعاشرة الزوجية ومقدّماتها فوراً. وهذا هو المعنى الظاهر من قوله تعالى: {.. لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ..} وعلى هذا الحكم إجماع الفقهاء والمذاهب.
2 – أمّا العقد القائم بينها وبين زوجها فقد أصبح واجب الفسخ. ولكن كيف يتمّ فسخه؟ نجد من المفيد هنا أن نذكر المبادئ العامّة للعقود:
فالعقد هو اتفاق إرادتين بالرضا الكامل على أمر مشروع. وعقد الزواج: هو اتفاق الزوجين على الحياة الزوجية المشتركة. والله تعالى أمرنا بالوفاء بالعقود. والإنسان حين يدخل في الإسلام لا يتحلّل من واجب الوفاء بعقوده السابقة، إلاّ إذا كانت مخالفة للأحكام الشرعية. والعقد الزوجي بين كافرين إذا كان مشروعاً عندهم يتعامل معه المسلمون على هذا الأساس. فإذا أسلم الزوجان أو أحدهما وكان عقدهما منضبطاً ضمن الأحكام الشرعية فإنّه يستمرّ. وإذا كان مخالفاً لأحد هذه الأحكام ولا يمكن تصحيح المخالفة فيجب فسخه.
وإذا تمّ العقد أصلاً باتفاق الطرفين، فينبغي أن يتمّ فسخه باتفاق الطرفين أيضاً. ولكن قد يطرأ طارئ على أحد الطرفين يمنعه من تنفيذ التزاماته التعاقدية، كما طرأ على الزوجة دخولها في الإسلام، وأصبحت لا تستطيع الوفاء بواجباتها الزوجية، فإذا استطاعت أن تتراضى مع زوجها على فسخ العقد فهو خير، وإذا لم يوافق زوجها على ذلك فعليها اللجوء إلى القضاء، لأنّ فسخ العقد لا يتمّ إلاّ بالتراضي أو بحكم القاضي.
وإذا كانت في دار الإسلام فإن القاضي يفسخ العقد إذا لم يسلم الزوج – سواء بعد عرض الإسلام عليه أو بدون هذا العرض – وفيما أنّ بعض الفقهاء يرون أنّ عقد الزواج مفسوخ أصلاً وأنّ مهمّة القاضي إعلان هذا الفسخ، فإنّ البعض الآخر يرى أنّ العقد لا يفسخ إلاّ بقرار القاضي أو السلطان – أي من له قرار الفسخ – يؤيّد ذلك أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو الذي كان يفرّق بين الزوجين إذا لم يسلم الرجل، أو يقرّهما على نكاحهما الأول حين يسلم. وأنّ عمر بن الخطّاب أمير المؤمنين هو الذي فرّق بين التغلبي النصراني وزوجته المسلمة حين عرض عليه الإسلام فامتنع. وقد ذكر الصنعاني في سبل السلام رواية عن الزهري (أنّه إن أسلمت المرأة ولم يسلم زوجها فهما على نكاحهما ما لم يفرّق بينهما سلطان) . كما ذكر الدكتور عبد الكريم زيدان في كتابه [المفصل في أحكام المرأة] (وما لم يفرّق الحاكم بينهما يعتبر النكاح قائماً). ويقول: (حتّى لو مات الزوج قبل أن يسلم وجب لها المهر وإن لم يكن قد دخل بها، لأنّ النكاح يعتبر قائماً، والمهر يتقرّر بالموت) وهذا كلّه فيما لو كانت الزوجة في دار الإسلام.
3 – أمّا إذا أسلمت الزوجة، وبقيت تعيش خارج دار الإسلام، فإنّ حكم تحريم المعاشرة الزوجية بينها وبين زوجها غير المسلم تلزمها. ثمّ يجب عليها دعوة زوجها للإسلام، هذا هو واجب كلّ مسلم بشكل عام، وخاصّة تجاه أقربائه وبالأخصّ زوجه، ومن المعلوم أنّ جميع النساء اللائي أسلمن أيّام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كنّ يدعون أزواجهنّ للإسلام، وقصّة إسلام صفوان بن أميّة وعكرمة بن أبي جهل بعد إسلام زوجتيهما معروفة. وحجّة عدم عرض الإسلام على الزوج إذا أسلمت زوجته محصورة في دار الإسلام، لأنّنا أمرنا بموجب عقد الذمّة أن نتركهم وما يدينون، وعرض الإسلام فيه شبهة إكراه. أمّا خارج دار الإسلام، فليس هناك عقد ذمّة ولا شبهة إكراه.
فإذا أسلم زوجها فالعقد السابق قائم بينهما (ما لم يكن هناك سبب آخر لإلغائه).
وإذا لم يسلم حتىّ انقضت عدّتها، تأكّد حكم تحريم المعاشرة الزوجية بينهما بحكم آخر وهو إباحة زواجها من رجل جديد.
4 – ونحن لا ننصح المسلمة في هذه الحالة بالزواج من رجل آخر، إلاّ بعد أن تفسخ عقد زواجها الأول رسمياً. هذا الفسخ يتمّ أمام السلطة التي عقدت ذلك الزواج وهي غالباً سلطة مدنية. وقد يتأخّر فسخ العقد إلى سنوات لكنّ الصبر على عدم الزواج أفضل لها، وإلاّ فإنّ زواجها الشرعي من رجل آخر، وبقاء زواجها الرسمي مع الأول، يعرّضها لإشكالات قانونية كثيرة منها تسجيل أولادها من زوجها الثاني على اسم الزوج الأول، أو تسجيلهم كأولاد غير شرعيين، ومنها استحقاق زوجها الأول الميراث بدل الزوج الثاني .. وغير ذلك. لذا فنحن نرى أنّ الفسخ الرسمي لعقد الزواج الأول واجب شرعي عليها سواء كان الفسخ الشرعي قد تمّ بمجرّد إسلامها كما عند ابن حزم، أو بانقضاء عدّتها كما عند الجمهور، أو أنّه لا يتمّ إلاّ بزواجها من رجل آخر بعد انقضاء عدّتها كما يقول ابن القيّم.
5 – إنّ الفسخ الشرعي لعقد الزواج الأول ليس له أهمّية كبيرة – خارج دار الإسلام – إذا قلنا بتحريم المعاشرة الزوجية ومقدّماتها عليها، وبإباحة زواجها من آخر بعد انقضاء عدّتها.
لكنّ الفسخ الرسمي لهذا العقد أمام السلطة التي أبرمته، له أهمّية كبيرة، لأنّه يرفع الإشكالات والتناقضات، ويجعل المسلمة الملزمة بقوانين بلادها غير الإسلامية، توائم بين هذه القوانين وبين أحكام الشريعة.
ومع ذلك فإنّنا نرى مع ابن القيّم رحمه الله:
(أنّ عقد نكاحها الأول موقوف، فإن أسلم – زوجها – قبل انقضاء عدّتها فهي زوجته، وإن انقضت عدّتها، فلها أن تنكح من شاءت. وإن أحبّت انتظرته، فإن أسلم ولو بعد سنوات طويلة كانت زوجته من غير حاجة إلى تجديد نكاح) .
6 – والعقد الموقوف عقد صحيح عند جمهور الفقهاء (الحنفية والمالكية ورواية عند الحنابلة، والشافعي في القديم) .
وهو عقد استوفى ركنه وشروطه ولكنّه صدر ممّن يملك أهليّة التصرّف دون الولاية، كالفضولي الذي يبيع مال غيره بدون إذن، فعقده صحيح موقوف حتّى يجيزه صاحب المال، فإن أجازه نفذ، وإن لم يجزه ألغي.
وأثناء فترة التوقّف يكون العقد صحيحاً، لكن تتوقّف آثاره على الإجازة.
7 – واعتبار عقد زواج المرأة التي تسلم ويبقى زوجها على دينه، عقداً موقوفاً حتّى تتزوّج غيره بعد انقضاء عدّتها، أمر صحيح ومشروع، ولو أنّه يؤدّي إلى زيادة حالة جديدة على حالات العقد الموقوف التي ذكرها الفقهاء، وذلك للأدلّة التي ذكرناها آنفاً. ونضيف عليها الآن أنّ المرأة المسلمة التي لا تتزوّج رجلاً أخر بعد انقضاء عدّتها من زوجها الأول، وفاء له وهي تنتظر إسلامه بفارغ الصبر لتعود إلى حياتها معه، وأنّ الإسلام يسمح لها بذلك، إنّ هذا الموقف يمكن أن يكون له تأثير على زوجها الأول فيدخل في دين الله، كما أنّه يعطي غير المسلمين نظرة إنسانية عن هذا الدين تشجّعهم على التجاوب معه والدخول فيه. وهو أمر يحتاجه المسلمون في بلاد الغرب حيث تمّ تشويه الإسلام أمام الناس.