الإنفاق في وجوه الخير أفضل من حج التطوع ، خاصة إذا كان الإنفاق في أمر واجب كغيث الملهوف ، ونصرة المظلوم ، وتجهيز وإعانة المجاهدين ـ كما هو الأمر في انتفاضة الأقصى المبارك ـ فهذه الوجوه ثوابها قد يفوق ثواب الحج ، ولمن أراد الحج وتركه من أجلها له ثواب الحج أيضاً إن شاء الله تعالى.

يقول الشيخ عطية صقر ، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا – رحمه الله تعالى -:
من المعلوم أن الحج فرضٌ على المستطيع مرة واحدةً في العمر، وذلك لحديث البخاري ومسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: خطبنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال: ” أيها الناس: إن الله كتب عليكم الحج فحجوا. فقال رجل: أكل عام يا رسول الله ؟ فسكت حتى قالها ثلاثاً، ثم قال ( صلى الله عليه وسلم ): ” لو قلت: نعم. لوجبت ؛ ولما استطعتم “.
وفى رواية أحمد، وأبي داود والنسائي عن ابن عباس (رضي الله عنهما) أن السائل هو: الأقرع بن حابس، وأن الرسول رد عليه بقوله: “الحج مرة، فمن زاد فهو تطوع”.

يعرف من هذا أن تكرار الحج ليس واجباً، وإنما هو تطوع ، والتطوع في كل شيءٍ ينبغي أن يراعي فيه تقديم الأهم على المهم، وقد تكون هناك حالات في أشد الحاجة إلى المعونة لإنقاذ الحياة، أو تخفيف الويلات، وهنا يكون الإنفاق فيها أولى، وبخاصة بعد أن متع الله سكان الحرم بنعم زادت على ما كان يصبو إليه سيدنا إبراهيم حين دعا ربه أن يجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم، وأن يرزقهم من الثمرات.

والشخص الذي يحب أن يتردد إلى بيت الله بالحج أو العمرة، ورأى أن هناك أمراً مهماً قعد به عن السفر للزيارة سيعطيه الله ثواباً عظيماً على نيته.

وهناك مأثورات في هذا المقام ـ وإن كانت لا تعد تشريعاً ـ جاء فيها: أن الله كتب ثواب الحج لمن صادف في طريقه فقراء ألجأتهم الضرورة إلى أكل الميتة ، فدفع إليهم ما معه، ورجع إلى بلده دون أن يحج، فأعطاه الله ثواب الحج.

وإذا لم يكن هناك نصٌ في هذه المسألة ، فإن التشريع بروحه وأهدافه لا يقر أن توجه أموالٌ طائلةٌ في مندوبٍ من المندوبات في الوقت الذي فيه واجبات تحتاج إلى هذه الأموال.

وما يروى أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال: “من حج حجة أدى فرضه، ومن حج ثانية داين ربه، ومن حج ثلاثاً حرم الله شعره وبشره على النار”. فليس ذلك بصحيح.