إن القرآن الكريم نزل من عند الله بلغة العرب التي هي لغة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد نزل في أرقى درجات البلاغة والفصاحة:( بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِيْن ) ( سورة الشعراء : 195 ).
ومما جرت به عادة العرب أن يعبر المتكلِّم عن نفسه بلفظ ” أنا ” فإذا كان معه غيره قال ” نحن ” كما أن لفظ ” نحن يستعمل عند تعظيم المتكلم لنفسه، وتعظيم الإنسان لنفسه له دواع تدعو إليه، فقد يكون ذا منصب أو جاه أو حسب أو نسب فيتحدث عن نفسه تفاخرا وتكبُّرًا من أجل التفاخر والتكبر، وقد يكون لإدخال الرهبة في قلوب الآخرين، كأنه عدة أشخاص لا شخص واحد، وقد يعبر عن نفسه بلفظ ” نحن ” لتعدد مآثره أو مواهبه، كأنه عدة أشخاص في شخص واحد، فالكثرة والتعدد بالنظر إلى الأثر لا إلى المؤثر .
وأسلوب التعظيم للمتكلم أو المخاطب موجود في اللغات الأخرى وليس قاصرًا على اللغة العربية، ويستعمل في مثل الأغراض المذكورة.
فإذا كان ربُّ العزّة يقول:( نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُم تَبْدِيْلاً ) (سورة الإنسان : 28 ) فالمقام مقام امتنان بالخلق والإنعام، ومقام تخويف وإرهاب للكافرين، يتناسب معه ضمير التعظيم الذي يعطي معنى القوة والهيبة، وإذا كان يقول:( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون)( سورة الحجر : 9 ) فالمقام مقام الاقتدار الذي يُدخل الطمأنينة على حفظ الله للقرآن الذي أنزله بقدرته و حكمته. وإذا كان يقول:( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنيَا وَيَومَ يَقُومُ الأَشْهَاد ) ( سورة غافر : 51 ) ففيه اطمئنان لحماية الله لرسله ونصرهم على أعدائهم، كأنَّها حمايات بوسائل متعددة.
وأعتقد أن المؤمن حين يقرأ القرآن وفيه أسلوب التعظيم لله لا يتسرّب إلى نفسه أي شك في وحدانيته سبحانه، وهو جدير بكل عظمة وإجلال لا يمكن أن يكون لغيره من القدرة والإنعام ما يصرف الناس عن عبادته وحده .