مبدئيًا نقول: إن التفاضل بين مخلوقات الله موجود، سواء في الأشخاص وفي الأزمان والأمكنة وغيرها. وهذا التفاضل أو الاختلاف من أقوى الأدلة على أن للعالم خالقًا حكيمًا مُريدًا عالمًا قادرًا على كل شيء، وليس العالم ـ كما يقول الفلاسفة والملحدون ـ مخلوقًا بالطبيعة أو بالْعِلَّةِ، فمعلوم أن معلول العلة لا يتخلف ومطبوع الطبيعة لا يختلف. ومن مظاهر التفاضل في العالم في المكان فضل الكعبة والحرم، وفضل المساجد، وفي الزمان فضل رمضان ويوم الجمعة وليلة القدر، وفي الأشخاص فضل الرسل، وفضل العلماء … … والنصوص في ذلك مشهورة.
وبخصوص المرسلين قال الله تعالى: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مُنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ) (سورة البقرة : 253).
وإن كانوا جميعًا مُتساوين في درجة واحدة من وجوب الإيمان بهم جميعًا، كما قال سبحانه: (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) (سورة البقرة: 258) وأفضلهم على الإطلاق سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وذلك بالنَّصِّ والإجماع، وقد رفع الله درجته من عدة وجوه لخصها بعضهم بأنها في ذاته وذلك بالمعراج حيث وَصَلَ إلى مقامٍ لم يصل إليه مَلَكٌ مقرب ولا نبي مرسل، وفي شرفه بالسيادة على جميع البشر فهو القائل: “أنا سَيِّدُ الناس يوم القيامة” رواه البخاري وسلم، وفي معجزاته حيث أُوتى القرآن الذي لم يؤته نبي قبله، وبعموم رسالته وغير ذلك.
أما التفاضل بين الأنبياء بعضهم مع بعض فهو موجود كما تَنُصُّ عليه الآية (وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ) (سورة الإسراء: 55).
والمُعْتَمدُ أن الرسل أفضل من الأنبياء.
والتفاضل فيما بينهم موجود ، لكن الأفضل ألا نبحث عن وجوه الفضل بين نبي وآخر أو رسول وآخر، فقد يؤدي ذلك إلى اختلافٍ يُمكن أن يكون نتيجة غير طيبة، ولذلك وَرَدَ النَّهْيُ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن ذلك على الرغم من فضله عليهم. فقال: “لا تُفَضِّلُوا بين الأنبياء” وذلك في حادثِ نِزَاعِ يَهودي مع مسلم وحلف اليهودي أن موسى أفضل العالمين. رواه البخاري ومسلم. وقال “ما ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن مَتَّى” قال العلماء : إنه قال ذلك من باب التواضع، وقال القاضي عِيَاضٌ: لا نفضل بعضًا على بعض تفضيلاً يؤدي إلى تنقيص بعضهم أو الغَضِّ منه، قال ابن حجر : قال العلماء : إنما نَهَي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن ذلك مَنْ يقول برأيه، لا مَنْ يقوله بدليل، أو من يقوله بحيث يؤدي إلى تنقيص المفضول، أو يؤدي إلى الخصومة والتنازع، وللمزيد يمكن الرجوع إلى شرح الزرقاني على المواهب اللدنية “ج 6 ص 130 ـ 140”.