قال تعالى: ( ومَنْ كَانَ فِي هَذِه أعْمَى فَهو فِي الآخِرَةِ أعْمَى وأضَلُّ سَبيلاً ) ( سورة الإسراء : 72).

من أحسن ما قيل في تفسير هذه الآية ما جاء عن عكرمة أنه قال: جاء نفرٌ من أهل اليمن إلى ابن عبّاس رضي الله عنهما فسألوه عن هذه الآية فقال: اقرؤوا ما قبلها من قوله تعالى:( وفَضَّلْناهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفضيلاً ) (سورة الإسراء : 66 ـ 70) قال ابن عبّاس من كان أعمى عن هذه النعم والآيات التي رآها فهو عن الآخرة التي لم يُعاينْها أعمى وأضلّ سبيلاً.

إن الذين لا يشكرون هذه النعم المحسوسة التي لا تحتاج إلى نظر دقيق أو عقل واسع قد عَمِيَتْ بصائرهم عن الحقّ، وغفلت عنه قلوبهم كالذين فقدوا أبصارَهم فلا يرَوْن شيئًا من المحسوسات، بل هم أضل من الأنعام التي تسيرها الغرائز، لأنّها معذورة حيث لا يوجد لها عقل كعقل بني آدم.

أما من له عقل وعطله فهو متعمد للضلال فكان أضل من الأنعام.
ولقد عبر الله سبحانه عن الذين لم يستجيبوا له عقيدة وسلوكًا بأنّهم عُمْيٌ فقال: ( ومَنْ أعْرضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ونَحْشُرُه يَوْمَ القِيامَةِ أعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وقَدْ كُنْتُ بَصيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَياتُنَا فَنَسِيتَها وكَذَلِكَ اليَوْمَ تُنْسَى وكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ ولَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ)(سورة طه : 124 ـ 127) فالذين عَمِيتْ بصائرُهم هم في الحقيقة عمي عن الهدى، ولا مانع أن يحشرهم الله يوم القيامة عُمي الأبصار ، جزاءً وِفاقًا بما كانوا عليه في الدُّنيا من عمى البصائر.
أما من فتح الله بصائرهم فاتبعوا الحق فإنّهم يحشرون يوم القيامة بِيضَ الوجوه، يسعى نورُهم بين أيديهم وبأيمانهم حتى لو كانوا في الدُّنيا ممّن امتحنَهم الله في أبصارهم لكنّهم رأَوْا قدرته وأَحَسُّوا نِعَمَه بِقُلوبِهِمْ وبَصائرِهِمْ، وكم من مَكفوفي الأبصار هداهم الله إلى الحق وأعلى منزلتهم، وفي التاريخ قديمِه وحديثِه علماء وصالحون من هذا النوع.