إذا كانت الشياطين قد صفدت في رمضان فإن هناك أسبابا أخرى لوقوع المعاصي مثل: النفس الأمارة بالسوء التي تطيع الهوى المذموم، وشياطين الإنس، وقد يكون المراد من تصفيد الشياطين المردة منهم، وأما غيرهم فلا يقيدون.

يقول الشيخ محمد صالح المنجد :

قال القرطبي : فإن قِيلَ : كَيْفَ نَرَى الشُّرُورَ وَالْمَعَاصِيَ وَاقِعَةً فِي رَمَضَان كَثِيرًا ، فَلَوْ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ (أي : سلسلت) لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ ؟

فَالْجَوَابُ : أَنَّهَا إِنَّمَا تَقِلُّ عَنْ الصَّائِمِينَ الصَّوْم الَّذِي حُوفِظَ عَلَى شُرُوطِهِ وَرُوعِيَتْ آدَابُهُ , أَوْ الْمُصَفَّد بَعْض الشَّيَاطِينِ وَهُمْ الْمَرَدَةُ لا كُلُّهُمْ كَمَا جاء فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ , أَوْ الْمَقْصُودِ تَقْلِيل الشُّرُورِ فِيهِ ، وَهَذَا أَمْر مَحْسُوس فَإِنَّ وُقُوع ذَلِكَ فِيهِ أَقَلّ مِنْ غَيْرِهِ , إِذْ لا يَلْزَمُ مِنْ تَصْفِيد جَمِيعهمْ أَنْ لا يَقَعُ شَرّ وَلا مَعْصِيَة لأَنَّ لِذَلِكَ أَسْبَابًا غَيْر الشَّيَاطِينِ كَالنُّفُوسِ الْخَبِيثَةِ وَالْعَادَات الْقَبِيحَة وَالشَّيَاطِينِ الإِنْسِيَّة اهـ . من فتح الباري . أهـ

وقال الشيخ ابن عثيمين عن التوفيق بين تصفيد الشياطين في رمضان ووقوع المعاصي من الناس :

المعاصي التي تقع في رمضان لا تنافي ما ثبت من أن الشياطين تصفد في رمضان ، لأن تصفيدها لا يمنع من حركتها ، ولذلك جاء في الحديث : ( وَيُصَفَّدُ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ ، فَلَا يَخْلُصُوا إِلَى مَا كَانُوا يَخْلُصُونَ إِلَيْهِ فِي غَيْرِهِ ) رواه أحمد والحديث ذكره الألباني في ضعيف الترغيب، وقال : ضعيف جداً .

وليس المراد أن الشياطين لا تتحرك أبدا بل هي تتحرك ، وتضل من تضل ، ولكن عملها في رمضان ليس كعملها في غيره أهـ .

ويقول فضيلة الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر ـ رحمه الله ـ في كتابه أحسن الكلام في الفتوى والأحكام:

إن الواقع يشهد بارتكاب المعاصي ممن يصومون رمضان ومن لا يصومون من المسلمين وغيرهم ، وذلك على الرغم من الأحاديث الصحيحة من تقييد الشياطين أو تصفيدها في رمضان .

وقد قال شراح الأحاديث : إن المراد بتقييدها عدم تسلطها على من يصومون صومًا صحيحا كاملا، روعيت فيه كل الأسباب التي منها عفة اللسان والنظر والجوارح كلها من المعصية استجابة لقول الرسول – صلى الله عليه وسلم – في الحديث الصحيح “من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ” رواه البخاري .

أو المراد أن الشياطين المصفدة هي المردة والجبابرة، وأما غيرهم فلا يقيدون، ولذلك تقع من الناس بعض المعاصي وأكثرها غير خطير، وهذا ما نصت عليه رواية الترمذي “صفدت الشياطين مردة الجن ” أو المراد أن الشياطين كلها تقيد بمعنى يضعف نشاطها ولا يكون بالقوة التي يكون عليها في رمضان .

لكن مع احترام ما يقال نرى كبائر المعاصي وأخطرها ترتكب في شهر رمضان من الصائمين، ولهذا قال بعض العلماء : إذا كانت الشياطين تقيد في رمضان فإن هناك بواعث أخرى على المعصية غير الشيطان ، ومنها النفس الأمارة بالسوء، أو العادات والأعراف القبيحة التي تدفع إلى الشر أو شياطين الإنس من الجبابرة المزهوين بقوتهم ، وهذه الدوافع موجودة في كل وقت ، وهى كافية لارتكاب المعاصي في الوقت الذي تقيد فيه الشياطين ودور النفس البشرية الأمارة بالسوء لا يقل خطرا عن دور الشياطين ، ونرى ذلك واضحا في إقرار الشيطان يوم القيامة كما قال رب العزة : { وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم } إبراهيم : 22.