إن الله تعالى سن في خلقة التناسل والتكاثر لبقاء الكائنات ، وشرع للناس الزواج لبقاء النوع الإنساني بطريق صحيح منظم ، كما شرع لنا الرسول صلى الله عليه وسلم صلاة قضاء الحاجة ، وهي صلاة ركعتين تصلى لأجل حاجة يود العبد قضاءها، ويدعو الله بإتمامها>

ودليل مشروعيتها ما رواه الإمام أحمد بسند صحيح عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” من توضأ فأسبغ الوضوء ثم صلى ركعتين يتمهما أعطاه الله ما سأل معجلا أو مؤخرا ” .
والدعاء سلاح المؤمن ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يسأل الله العافية ، كما كان يأمر المسلمين أن يسألوا الله العافية ، والله تعالى يهب لمن يشاء ، ويقضي الحاجات ، ويحفظ عباده بحفظه .

يقول الدكتور عبد الفتاح إدريس ، الأستاذ بجامعة الأزهر :
فإن الشارع قد أباح التنفل للإنسان بالعبادات المختلفة سواء كانت صلاة أو صياما أو غيرهما، كما شرع الدعاء لقضاء الحاجات المختلفة وشرع كذلك التصدق على المحتاجين إلى مثل هذه الصدقات، فبوسع الإنسان إذا ألمت به الحاجة أو ضائقة أن يصلي لله سبحانه وتعالي ما شاء من الركعات بنية قضاء هذه الحاجة في أي وقت من ليل أو نهار، ولكن يجب أن يجتنب الأوقات التي تكره الصلاة فيها وهي معروفة ـ بعد صلاة الصبح حتى بعد الشروق بقليل ، وقبل الظهر بقليل ، وبعد صلاة العصر حتى الغروب ـ ، ويدعو بما شاء الله له في هذه الصلاة أن يقضي حاجته أو أن يزيل عسرته أو أن يسهل له ما صعب عليه ، وأن يحفظ له ماله وأهله.(انتهى).

وقد وردت في القرآن الكريم أدعية لإنجاب الذرية الصالحة الطيبة ، على لسان الأنبياء كسيدنا إبراهيم عليه السلام حين قال : ( رب هب لي من الصالحين ) وسيدنا زكريا ، حين رأى عند مريم ـ عليهما السلام ـ فاكهة في غير موعدها : ( ‏هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ، ‏‏فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ‏) آل عمران 38، 39.
يقول الإمام ابن كثير :‏ لما رأى زكريا عليه السلام أن الله يرزق مريم عليها السلام فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء طمع حينئذ في الولد وإن كان شيخا كبيرا قد وهن منه العظم واشتعل الرأس شيبا وكانت امرأته مع ذلك كبيرة وعاقرا لكنه مع هذا كله سأل ربه وناداه نداء خفيا وقال “رب هب لي من لدنك” أي من عندك ذرية طيبة أي ولدا صالحا إنك سميع الدعاء.( انتهى).

والله عز وجل امتن على عباده بالأولاد والذرية ، وجعل طلب الولد ـ ذكرا أو أنثى ـ عن طريق الزواج المشروع من سنة المرسلين وأتباعهم من المؤمنين ، والولد الصالح ينفع في الحياة وبعد الممات .

ويقول الإمام القرطبي :
دلت هذه الآية ـ السابقة ـ على طلب الولد، وهي سنة المرسلين والصديقين، قال الله تعالى: “ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية” [الرعد: 38].
وفي صحيح مسلم عن سعد بن أبي وقاص قال: أراد عثمان أن يتبتل فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو أجاز له ذلك لاختصينا.

وخرج ابن ماجة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (النكاح من سنتي فمن لم يعمل بسنتي فليس مني وتزوجـوا فإني مكاثر بكم الأمم ومن كان ذا طول فلينكح ومن لم يجد فعليه بالصوم فإنه له وجاء).

وفي هذا رد على بعض جهال المتصوفة حيث قال: الذي يطلب الولد أحمق، وما عرف أنه هو الغبي الأخرق، قال الله تعالى مخبرا عن إبراهيم الخليل: “واجعل لي لسان صدق في الآخرين” [الشعراء: 84] وقال: “والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين” [الفرقان: 74].

وقد ترجم البخاري على هذا “باب طلب الولد”.
وقال صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة حين مات ابنه: (أعرستم الليلة)؟ قال: نعم ، قال: (بارك الله لكما في غابر ليلتكما) ، فحملت ، وفي البخاري: قال سفيان فقال رجل من الأنصار: فرأيت تسعة أولاد كلهم قد قرءوا القرآن.

وترجم أيضا “باب الدعاء بكثرة الولد مع البركة” وساق حديث أنس بن مالك قال: قالت أم سليم: يا رسول الله، خادمك أنس أدع الله له ، فقال: (اللهم أكثر مال وولده وبارك له فيما أعطيته).
وقال صلى الله عليه وسلم: (اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين) خرجه البخاري ومسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: (تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم). أخرجه أبو داود.

والأخبار في هذا المعنى كثيرة تحث على طلب الولد وتندب إليه، لما يرجوه الإنسان من نفعه في حياته وبعد موته، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا مات أحدكم انقطع عمله إلا من ثلاث) فذكر (أو ولد صالح يدعو له).
ولو لم يكن إلا هذا الحديث لكان فيه كفاية.

فإذا ثبت هذا فالواجب على الإنسان أن يتضرع إلى خالقه في هداية ولده وزوجه بالتوفيق لهما والهداية والصلاح والعفاف والرعاية، وأن يكونا معينين له على دينه ودنياه حتى تعظم منفعته بهما في أولاه وأخراه، ألا ترى قول زكريا: “واجعله رب رضيا” [مريم: 6] وقال: “ذرية طيبة”.
وقال تعالى عن عباد الرحمن : ” ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين [الفرقان: 74].
ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنس فقال: (اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيه) ، خرجه البخاري ومسلم، وحسبك. والله أعلم. (انتهى).

وأما إذا أنعم الله تعالى بالحمل فلا مانع من دعاء الله تعالى أن يحفظه ، فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” إن الله إذا استودع شيئا حفظه ” وأنه كان يقول لمن يودعه : ” أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه “: ، فلا بأس أن نقول مثلا في دعائنا : اللهم إني أستودعك نفسي وأهلي ومالي ، فاحفظنا بما تحفظ به عبادك الصالحين ، ولنسأل الله العافية كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، وكما كان يقول :” اللهم إني أسألك العافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي .