تحدث القرآن الكريم عن عبد من عباد الله تقابل معه موسى ـ عليه السلام ـ وكان بينهما ما جاء في سورة الكهف : (فَوَجَدا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا) (الآية :65) وتحدثت السنة النبوية المُطهرة الصحيحة، كما رواه البخاري والترمذي عن هذا العبد الصالح باسم “الخضر” لأنه جلس على فروة بيضاء ـ هي وجه الأرض ـ فإذا هي تهتز من تحته خضراء.

وإلى القُراء أضواء بسيطة على شخصيته من حيث اسمه وحياته ونبوته:

يقول العالم الكبير كمال الدين الدميري المُتوفى سنة 808هـ في كتابه الموسوعي “حياة الحيوان الكبرى” عند الكلام عن الحوت: إن اسم الخضر مضطرب فيه اضطرابًا متباينًا والأصح ـ كما نقله أهل السير وثبت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما نقله البغوي وغيره ـ أن اسمه “بليا” بفتح الباء وسكون اللام، وكان من بني إسرائيل ومن أبناء الملوك، وفرَّ من الملك وانصرف إلى العبادة.

أم هل هو حي أو ميت، فقد اختلف في ذلك، فقال النووي وجمهور العلماء: إنه حي موجود بين أظهرنا الآن، وهذا الرأي مُتفق عليه عند الصوفية وأهل الصلاح والمعرفة. والأخبار عن الاجتماع به كثيرة، وقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح : هو حي عند جماهير العلماء والصالحين، والعامة معهم على ذلك وإنما شذَّد بإنكاره بعض المحدثين.

وقال الحسن: إنه مات وقال ابن المناوي: لا يثبت حديث في بقائه. وقال الإمام أبو بكر بن العربي: مات قبل انقضاء المائة، ويقرب من جواب الإمام محمد بن إسماعيل البخاري لما سُئل عن الخضر وإلياس عليهما السلام : هل هما في الأحياء؟ فقال كيف يكون ذلك وقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ “لا يبقى على رأس مائة سنة ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد” والصحيح الصواب أنه حي.

وقال بعضهم: إنه اجتمع مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعزى أهل بيته وهم مُجتمعون لغسله، وقد روى ذلك من طرق صِحاح، والقرطبي في تفسيره صحح حياته “ج 11 ص 41.

واختلف في الخضر هل هو نبي أو ولي. فقال القشيري وكثيرون: هو ولي، وقال بعضهم هو نبي . ورجحه النووي، وقال المازري: إن الأكثرين من العلماء على أنه نبي ومن قالوا: إنه نبي اختلفوا، هل هو مُرسل إلى غيره من الناس أو لا؟ والأدلة على هذا الاختلاف في الاسم والحياة والنبوة كثيرة لا يتسع المقام لها. وقد أوردت لك هذه الأقوال التي ليس فيها اتفاق على رأي لترى أنه لا يُوجد نص قاطع يعتمد عليه في هذه الأمور.

فالثابت في القرآن أنه عبد من عباد الله آتاه الله رحمة وعلمًا من عنده، لكن هذا العبد يحتمل أن يكون نبيًا ويحتمل أن يكون وليًا أي رجلاً صالحًا، والثابت بالحديث أن لقبه الخضر، ولم يرد نص صرَّح في كونه مات أو مازال حيًّا حتى يقتله الدجال، أو أن له لقاءات مع بعض الأنبياء أو الأولياء، أو أنه يُلقي السلام على بعض الناس فيردون عليه التحية. كل ذلك ليس له دليل يُعتد به. وفي الوقت نفسه لا يترتب على الجهل به عقاب، ولا يُؤثر على إيمان المؤمن، فهو ليس من العقائد التي كَلَّفنا بها الدين، وأولى ألا نُشغل بالبحث عنها كثيرًا، وفي كتب التفسير والتاريخ مُتسع لمن أراد المزيد.