جاء في كتاب الدر المنثور في التفسير بالمأثور، للإمام جلال الدين السيوطي :

أخرج ابن أبي شيبة والبخاري والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن بريدة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم “من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله.

وأخرج أحمد عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من ترك صلاة العصر متعمدا فقد حبط عمله”.

وأخرج مسلم والنسائي والبيهقي عن أبي بصرة الغفاري قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر بالمخمص، ثم قال: ( إن هذه الصلاة فرضت على من كان قبلكم فضيعوها، فمن حافظ عليها كان له أجره مرتين، ولا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد)، والشاهد النجم.

وأخرج الطبراني عن أبي أيوب قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم “إن هذه الصلاة – يعني العصر – فرضت على من كان قبلكم فضيعوها، فمن حافظ عليها أعطي أجرها مرتين، ولا صلاة بعدها حتى يرى الشاهد، يعني النجم”.

وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من ترك صلاة العصر حتى تغيب الشمس من غير عذر فكأنما وتر أهله وماله.

وأخرج ابن أبي شيبة عن نوفل بن معاوية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن من الصلاة صلاة، من فاتته فكأنما وتر أهله وماله. قال ابن عمر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: هي صلاة العصر”.

وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي الدرداء قال: من ترك العصر حتى تفوته من غير عذر فقد حبط عمله.(انتهى).

ويقول الإمام ابن حجر في ” فتح الباري ، بشرح صحيح البخاري :

قوله (من ترك صلاة العصر) زاد معمر في روايته ” متعمدا ” وكذا أخرجه أحمد من حديث أبي الدرداء.

وقد استدل بهذا الحديث من يقول بتكفير أهل المعاصي من الخوارج وغيرهم وقالوا: هو نظير قوله تعالى (ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله) وقال ابن عبد البر: مفهوم الآية أن من لم يكفر بالإيمان لم يحبط عمله فيتعارض مفهومها ومنطوق الحديث فيتعين تأويل الحديث، لأن الجمع إذا أمكن كان أولى من الترجيح.

وتمسك بظاهر الحديث أيضا الحنابلة ومن قال بقولهم من أن تارك الصلاة يكفر، وجوابهم ما تقدم.

وأيضا فلو كان على ما ذهبوا إليه لما اختصت العصر بذلك.

وأما الجمهور فتأولوا الحديث، فافترقوا في تأويله فرقا.

فمنهم من أول سبب الترك، ومنهم من أول الحبط، ومنهم من أول العمل فقيل: المراد من تركها جاحدا لوجوبها، أو معترفا لكن مستخفا مستهزئا بمن أقامها.

وتعقب بأن الذي فهمه الصحابي إنما هو التفريط، ولهذا أمر بالمبادرة إليها، وفهمه أولى من فهم غيره كما تقدم.

وقيل المراد من تركها متكاسلا لكن خرج الوعيد مخرج الزجر الشديد وظاهره غير مراد كقوله ” لا يزني الزاني وهو مؤمن ” وقيل هو من مجاز التشبيه كأن المعنى: فقد أشبه من حبط عمله، وقيل معناه كاد أن يحبط، وقيل المراد بالحبط نقصان العمل في ذلك الوقت الذي ترفع فيه الأعمال إلى الله، فكأن المراد بالعمل الصلاة خاصة، أي لا يحصل على أجر من صلى العصر ولا يرتفع له عملها حينئذ، وقيل المراد بالحبط الإبطال أي يبطل انتفاعه بعمله في وقت ما ثم ينتفع به، كمن رجحت سيئاته على حسناته فإنه موقوف في المشيئة فإن غفر له فمجرد الوقوف إبطال لنفع الحسنة إذ ذاك وإن عذب ثم غفر له فكذلك.

وقيل : المراد بالعمل في الحديث عمل الدنيا الذي يسبب الاشتغال به ترك الصلاة، بمعنى أنه لا ينتفع به ولا يتمتع، وأقرب هذه التأويلات قول من قال: إن ذلك خرج مخرج الزجر الشديد وظاهره غير مراد، والله أعلم.

ويقول الإمامِ المناوي في كتابه : فيض القدير، شرح الجامع الصغير للسيوطي :
قوله : (من ترك صلاة العصر حبط عمله) أي بطل ثوابه، وليس ذلك من إحباط ما سبق من عمله فإنه في حق من مات مرتداً ، بل يحمل الحبوط على نقصان عمله في يومه ذلك .. وخص العصر لأنها مظنة التأخير بالتعب من شغل النهار أو لأن فوتها أقبح من فوت غيرها لكونها الوسطى المخصوصة بالأمر بالمحافظة عليها . (انتهى).