العقل نعمة أنعمها الله على الإنسان لكي يميز به بين الهدى والضلالة وبين الخير والشر، وجعل الله مناط التكليف العقل، وإذا ذهب العقل سقط التكليف، وقد بوب البخاري بابا في صحيحه بعنوان:  باب لاَ يُرْجَمُ الْمَجْنُونُ وَالْمَجْنُونَةُ. وَقَالَ عَلِىٌّ لِعُمَرَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْقَلَمَ رُفِعَ عَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ ، وَعَنِ الصَّبِىِّ حَتَّى يُدْرِكَ ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ.

من شروط التكليف العقل:

وجاء في البحر المحيط للزركشي: ” الشرط الرابع [من شروط التكليف]: العقل فالمجنون ليس بمكلف إجماعا، ويستحيل تكليفه؛ لأنه لا يعقل الأمر والنهي، ولا يبعد من القائلين تكليف ما لا يطاق جواز تكليفه كالغافل، وعن أحمد رواية بوجوب قضاء الصوم على المجنون. نص عليها في رواية حنبل، وضعفها محققو أصحابه، ومنهم من حملها على غير المجنون المطبق، كمن يفيق أحيانا.  قال ابن القشيري في المرشد ” : ويجوز أن يقال : المجنون مأمور بشرط الإفاقة.أهـ

الخرف وما يتعلق به من أحكام:

جاء في عون المعبود شرح سنن أبي دواد: الخرف هو فساد العقل بسبب كبر السن، فإنَّ الشيخ الكبير قد يعرض له اختلاط عقل يمنعه من التمييز ويخرجه عن أهلية التكليف، ولا يسمى جنونا، لأن الجنون يعرض من بعض الأمراض ، ويقبل العلاج، والخرف بخلاف ذلك، ولو برئ منه في بعض الأوقات برجوع عقله إليه تعلق به التكليف. والخرف والجنون أحكامهما واحدة، وبينهما تقارب، ويظهر أن الخرف رتبة متوسطة بين الإغماء والجنون، وهي إلى الإغماء أقرب. اهـ

فإذا ذهب العقل بفعل مرض من الأمراض التي تصيبه أو بسبب تقدم السن فإن التكليف يسقط، فالله تعالى إذا أخذ ما وهب فقد أسقط ما أوجب، فمن يتقدم به العمر يبلغ أرذل العمر، والرد إلى أرذل العمر وسلب العقل المعلومات التي كان يختزنها من قضاء الله تعالى على الإنسان، قال تعالى: وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا [الحج/5] وقال أيضا: “وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ” [يس/68] .

وسلب العقل له أحكامه الخاصة به في الشريعة الإسلامية؛ لأن الحقوق نوعان حقوق لله تعالى وهي تسقط عنه؛ لأن زوال العقل عارض من عوارض الأهلية، فالعبادات لا يطالب بها ما دام عقله قد ذهب، فالصلاة تسقط عنه، وكذلك الصيام لا صوم عليه، ولا إثم عليه، وليس عليه أن يطعم مسكينا ما دام عقله قد ذهب منه.

  أما حقوق العباد المالية فإنها لا تسقط عنه، وأما حقوق العباد البدنية فتسقط عنه.

الجنون:

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: الجنون عارض من عوارض الأهلية يطرأ على العقل فيذهب به، ولذلك تسقط فيه المؤاخذة والخطاب لعدم وجود العقل الذي هو وسيلة فهم دليل التكليف. فالجنون سبب من أسباب عدم المؤاخذة بالنسبة لحقوق الله تعالى حسب البيان السابق، ولا حد على المجنون، لأنَّه إذا سقط عنه التكليف في العبادات، والإثم في المعاصي فالحد المبني على الدرء بالشبهات أولى.

وأما بالنسبة لحقوق العباد كالضمان ونحوه فلا يسقط ; لأنه ليس تكليفا له، بل هو تكليف للولي بأداء الحق المالي المستحق في مال المجنون، فإذا وقعت منه جرائم، أخذ بها ماليا لا بدنيا، وإذا أتلف مال إنسان وهو مجنون وجب عليه الضمان، وإذا قتل فلا قصاص وتجب دية القتيل، كذلك لا يتم إحصان الرجم والقذف إلا بالعقل، فالمجنون لا يكون محصنا لأنه لا خطاب بدون العقل. أهـ

فإن كان عقله يغيب نوبات ويعود أخرى فإن عليه أن يصلي وأن يصوم حال تمييزه، وفي حال غياب عقله يسقط التكليف.

أما الزكاة فإذا بلغ ماله نصاب الزكاة وحال عليه الحول وهو عام هجري فإن القيِّم عليه يخرج زكاة المال، وذلك لأن الزكاة تتعلق بعين المال لا بالشخص، ولهذا وجبت في مال الصبي واليتيم والمجنون، وهذا قول الجمهور من مالكية وشافعية وحنابلة خلافا للحنفية الذين ذهبوا إلى عدم وجوب الزكاة وإنما أوجبوا العشر في الزروع وصدقة الفطر قال ابن عابدين في حاشيته:

اقرأ أيضا:

“فلا تجب على مجنون وصبي لأنها عبادة محضة وليسا مخاطبين بها وإيجاب النفقات والغرامات لكونها من حقوق العباد ، والعشر وصدقة الفطر لأن فيهما معنى المؤنة”.

ورأي الجمهور هو الراجح لأن الزكاة هي حق المال وتطهير له. ومثل زكاة المال زكاة الفطر، فإنه تجب في مال كل مسلم ملك قوت يومه، وذلك لما رواه البخاري في صحيحه عَنِ ابْنِ عُمَرَ – رضى الله عنهما – قَالَ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى ، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ.

وهذا الخرف له أن يأخذ من زكاة المال إن كان به صفة من صفات من يستحقون الزكاة الذين ذكرهم الله تعالى في قوله تعالى:” إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ” [التوبة/60]

وفي صحة الحج منه تفصيل، لأنه إذا توفرت له الاستطاعة حال كبره فإنه لا يطالب بالحج، أما إن كان الحج قد استقر ووجب عليه قبل أن يذهب عقله فالواجب على وليه أن يحج عنه من تركته أو ينيب من يخرج للحج عنه.

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:

العقل شرط لصحة التكليف عند الحنفية في الأظهر والحنابلة، فلا يصح أن يحرم الولي عن المجنون، ولكن لو وجب الحج على المجنون قبل طرو جنونه صح الإحجاج عنه، وأما عند المالكية والشافعية، وهو رواية عند الحنفية فشرط الصحة المطلقة الإسلام وليس العقل، فيجوز للولي أن يحرم عن المجنون. أهـ

أما بيعه وشراؤه فإن هذا المرض يعد من عوارض الأهلية فلا تصح جميع تصرفاته من بيع وشراء وهبة وصدقة ووقف ووصية بل يمنع من ذلك كله، وعلى القيم عليه المحافظة على ماله.

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:

لا خلاف بين الفقهاء في أن كل تصرف قولي يصدر في حال الجنون فهو باطل، فالمجنون لا تصح عقوده لرجحان جانب الضرر نظرا إلى سفهه، وقلة مبالاته، وعدم قصده المصالح.. التصرفات القولية لا تصح من المجنون ; لأن بالجنون تسلب الولايات،  واعتبار الأقوال، فلا تصح هبته ولا صدقته، ولا وقفه، ولا وصيته، وما إلى ذلك ; لأن التصرفات يشترط فيها كمال العقل، والمجنون مسلوب العقل أو مختله، وعديم التمييز والأهلية، وهذا بإجماع الفقهاء. أهـ

أما زواجه وطلاقه فلا يصح له إنشاء زواج ولا طلاق بل هذا عائد إلى وليه، ولو كان وليا لأحد من النساء فإن الولاية تنتقل إلى من بعده من الأولياء.

وعن طلاقه جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:

ذهب الفقهاء إلى عدم صحة طلاق المجنون والمعتوه لفقدان أهلية الأداء في الأول, ونقصانها في الثاني، فألحقوهما بالصغير غير البالغ، فلم يقع طلاقهما. أهـ

وعن انتقال الولاية عنه إلى من بعده من الأولياء جاء في الموسوعة :

وإذا طرأ الجنون على من له ولاية النكاح، فإن كان جنونه مطبقا سلبت ولايته وانتقلت لمن بعده، ولا ينتظر إفاقته في تزويج موليته، وإنما يزوجها من انتقلت إليه الولاية من الأولياء،  وهذا عند الحنفية والشافعية والحنابلة وبعض فقهاء المالكية. وإن كان الجنون غير مطبق تثبت له الولاية في حال إفاقته لأنه لا يستديم زوال عقله فهو كالإغماء، فلا تزوج موليته بل تنتظر إفاقته، وهذا عند الحنفية والحنابلة والمالكية، وهو ما صححه الرافعي من الشافعية.”إذا طرأ الجنون على من له ولاية النكاح، فإن كان جنونه مطبقا سلبت ولايته وانتقلت لمن بعده، ولا ينتظر إفاقته في تزويج موليته، وإنما يزوجها من انتقلت إليه الولاية من الأولياء،  وهذا عند الحنفية والشافعية والحنابلة وبعض فقهاء المالكية. وإن كان الجنون غير مطبق تثبت له الولاية في حال إفاقته لأنه لا يستديم زوال عقله فهو كالإغماء، فلا تزوج موليته بل تنتظر إفاقته، وهذا عند الحنفية والحنابلة والمالكية، وهو ما صححه الرافعي من الشافعية. أهـ