الحسد مرض من أمراض القلوب وسببه عدم الرضا والقناعة بما قسم الله عز وجل، والحسد وبال على الحاسد في الدنيا والآخرة، وكما قال الإمام القرطبي الحاسد عدو نعمة الله، والحسد في حقيقة الأمر ضرره يعود على الحاسد لا على المحسود وإن كان الظاهر خلاف ذلك، فالحسد فيه ضرر على الحاسد في الدنيا بأنه يتألم، ويعيش دائما في كمد وغم؛ لأن نعم الله على عباده لا تنقطع، كما أن الحسد ضرر على الحاسد في الآخرة ففي الحديث الذي رواه أبو داود وابن ماجه قال -صلى الله عليه وسلم- “الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب”.

ولذلك فعلى من علم من نفسه أنه مبتلى بهذا المرض أن يسارع إلى العلاج بتطهير قلبه مما ران عليه من الذنوب والآثام، وأن يعلم أن الله سبحانه وتعالى هو المعطي وهو المانع وهو القابض وهو الباسط “قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”. آية 26 آل عمران.

وإذا رأى نعمة امتن الله بها على عبد من عباده أن يدعو بالبركة كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يرضى ويقنع بما قسمه الله –عز وجل- وأن يشكر الله على ما أعطاه فالشكر هو السبيل لزيادة النعمة، والقنوط والسخط هو سبب زوالها قال تعالى “لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ” – آية 7 إبراهيم-..

ذكر الإمام الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين:
الحسد من الأمراض العظيمة للقلوب, ولا تداوى أمراض القلوب إلا بالعلم والعمل, والعلم النافع لمرض الحسد هو أن تعرف تحقيقا أن الحسد ضرر على الحاسد في الدنيا والدين, وأنه لا ضرر فيه على المحسود في الدنيا والدين.

أما كونه ضررا على الحاسد في الدين , فهو أن الحاسد بالحسد سخط قضاء الله تعالى , وكره نعمته التي قسمها بين عباده , وعدله الذي أقامه في ملكه بخفي حكمته , فاستنكر ذلك واستبشعه وهذه جناية على حدقة التوحيد , وقذى في عين الإيمان , وكفى بهما جناية على الدين.

وأما كون الحسد ضررا على الحاسد في الدنيا فهو أنه يتألم بحسده في الدنيا , أو يتعذب به، ولا يزال في كمد وغم, إذ أعداؤه لا يخليهم الله تعالى عن نعم يفيضها عليهم, فلا يزال يتعذب بكل نعمة يراها, ويتألم بكل بلية تنصرف عنهم فيبقى مغموما محروما متشعب القلب ضيق الصدر قد نزل به ما يشتهيه الأعداء له ويشتهيه لأعدائه , فقد كان يريد المحنة لعدوه فتنجزت في الحال محنته وغمه نقدا , ومع هذا فلا تزول النعمة عن المحسود بحسده.

وأما أنه لا ضرر على المحسود في دينه ودنياه فواضح , لأن النعمة لا تزال عنه بالحسد , بل ما قدره الله تعالى من إقبال ونعمة , فلا بد أن يدوم إلى أجل معلوم قدره الله سبحانه فلا حيلة في دفعه , بل كل شيء عنده بمقدار , ولكل أجل كتاب , ومهما لم تزل النعمة بالحسد لم يكن على المحسود ضرر في الدنيا ولا يكون عليه إثم في الآخرة.

وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
الحسد إن كان حقيقيا , أي بمعنى تمني زوال النعمة عن الغير فهو حرام بإجماع الأمة , لأنه اعتراض على الحق , ومعاندة له , ومحاولة لنقض ما فعله , وإزالة فضل الله عمن أهله له , والأصل في تحريمه الكتاب والسنة والمعقول.
أما الكتاب: فقوله تعالى: “ومن شر حاسد إذا حسد” فقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بالاستعاذة من شر الحاسد , وشره كثير , فمنه ما هو غير مكتسب وهو إصابة العين , ومنه ما هو مكتسب كسعيه في تعطيل الخير عنه وتنقيصه عند الناس , وربما دعا عليه أو بطش به إلى غير ذلك.

وقد اختلف أهل التأويل في الحاسد الذي ورد الأمر بالاستعاذة من شره : فقال قتادة : المراد شر عينه ونفسه . وقال آخرون : بل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الآية أن يستعيذ من شر اليهود الذين حسدوه , والأولى بالصواب في ذلك كما قال الطبري: “إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن يستعيذ من شر كل حاسد إذا حسد” . وإنما كان ذلك أولى بالصواب , لأن الله عز وجل لم يخصص من قوله : “ومن شر حاسد إذا حسد” حاسدا دون حاسد بل عم أمره إياه بالاستعاذة من شر كل حاسد فذلك على عمومه . والحاسد كما قال القرطبي عدو نعمة الله .

قال بعض الحكماء : بارز الحاسد ربه من خمسة أوجه:

أحدها: أنه أبغض كل نعمة ظهرت على غيره.

ثانيها: أنه ساخط لقسمة ربه كأنه يقول : لم قسمت هذه القسمة؟

ثالثها: أنه ضاد فعل الله, أي إن فضل الله يؤتيه من يشاء, وهو يبخل بفضل الله.

ورابعها: أنه خذل أولياء الله , أو يريد خذلانهم وزوال النعمة عنهم.

وخامسها: أنه أعان عدوه إبليس.

وأما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم: “إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب أو العشب” . وأما المعقول فإن الحاسد مذموم , فقد قيل : إن الحاسد لا ينال في المجالس إلا ندامة , ولا ينال عند الملائكة إلا لعنة وبغضاء , ولا ينال في الخلوة إلا جزعا وغما, ولا ينال في الآخرة إلا حزنا واحتراقا, ولا ينال من الله إلا بعدا ومقتا.

ويستثنى من تحريم الحسد ما إذا كانت النعمة التي يتمنى الحاسد زوالها عند كافر أو فاسق يستعين بها على معاصي الله تعالى . أما إذا كان الحسد مجازيا , أي بمعنى الغبطة فإنه محمود في الطاعة , ومذموم في المعصية , ومباح في الجائزات, ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: “لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار , ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار” أي كأنه قال : لا غبطة أعظم أو أفضل من الغبطة في هذين الأمرين .