المهم في الدعاء الحضور والخضوع والخشوع ، فعلى الداعي أن يكون حاضر الذهن ، خاضع القلب ، متحللا من المظالم ، متحريا الحلال في مكسبه ، متحريا الأوقات الفاضلة كوقت السحر ، متحللا من أسر المعاصي ، مقبلا على الله بتوبة صادقة مشرقة ، عازما على الإصلاح ، مصمما على ترك المنكرات ، آملا في عمل الصالحات ، لا يحمل في قلبه لأحد غلا ولا حسدا ولا حقدا ، غير داع بسوء ، أو بقطيعة رحم .
فالتوبة الصادقة النصوح تجعل من صاحبها عبدا ربانيا محبوبا لله عز وجل فإن الله يحب التوابين .

قال الإمام أبو حامد الغزالي ذاكرا لآداب الدعاء :-

قال صلى الله عليه وسلم ‏”‏ إن العبد لا يخطئه من الدعاء إحدى ثلاث‏:‏ إما ذنب يغفر له وإما خير يعجل له وإما خير يدخر له ‏”‏ وقال أبو ذر رضي الله عنه‏:‏ يكفي من الدعاء مع البر ما يكفي الطعام من الملح‏.‏

أما آداب الدعاء فعشرة وهي :-
الأول:- أن يترصد لدعائه الأوقات الشريفة كيوم عرفة من السنة‏.‏
ورمضان من الأشهر ويوم الجمعة من الأسبوع ووقت السحر من ساعات الليل‏.‏
قال تعالى ‏”‏ وبالأسحار هم يستغفرون ‏”‏ وقال صلى الله عليه وسلم ‏”‏ ينزل الله تعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول عز وجل من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له ‏”‏ وقيل إن يعقوب صلى الله عليه وسلم إنما قال ‏”‏ سوف أستغفر لكم ربي ‏”‏ ليدعو في وقت السحر‏.‏
فقيل إنه قام في وقت السحر يدعو وأولاده يؤمنون خلفه فأوحى الله عز وجل إني قد غفرت لهم وجعلتهم أنبياء.

الثاني :- أن يغتنم الأحوال الشريفة‏.‏
قال أبو هريرة رضي الله عنه‏:‏ إن أبواب السماء تفتح عند زحف الصفوف في سبيل الله تعالى وعند نزول الغيث وعند إقامة الصلوات المكتوبة فاغتنموا الدعاء فيها وقال مجاهد‏:‏ إن الصلاة جعلت في خير الساعات فعليكم بالدعاء خلف الصلوات‏.‏
وقال صلى الله عليه وسلم ‏”‏ الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد ‏”‏ وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً ‏”‏ الصائم لا ترد دعوته ‏”‏ وبالحقيقة يرجع شرف الأوقات إلى شرف الحالات أيضاً إذ وقت السحر وقت صفاء القلب وإخلاصه وفراغه من المشوشات‏.‏
ويوم عرفة ويوم الجمعة وقت اجتماع الهمم وتعاون القلوب على استدرار رحمة الله عز وجل فهذا أحد أسباب شرف الأوقات سوى ما فيها من أسرار لا يطلع البشر عليها‏.‏
وحالة السجود أيضاً أجدر بالإجابة قال أبو هريرة رضي الله عنه‏:‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم ‏”‏ أقرب ما يكون العبد من ربه عز وجل وهو ساجد فأكثروا فيه من الدعاء ورى ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‏”‏ إني نهيت أن اقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً فأما الركوع فعظموا فيه الرب تعالى وأما السجود فاجتهدوا فيه بالدعاء فإنه قمن أن يستجاب لكم .

الثالث: -أن يدعو مستقبل القبلة ويرفع يديه بحيث يرى بياض إبطيه‏.‏
وروى جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏”‏ أتى الموقف بعرفة واستقبل القبلة ولم يزل يدعو حتى غربت الشمس ‏”‏ وقال سلمان‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏”‏ إن ربكم حيي كريم يستحيي من عبيده إذا رفعوا أيديهم إليه أن يردها صفراً ‏”‏ وروى أنس أنه صلى الله عليه وسلم ‏”‏ كان يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه في الدعاء ولا يشير بأصبعيه ‏”‏ وروى أبو هريرة رضي الله عنه ‏”‏ أنه صلى الله عليه وسلم مر على إنسان يدعو ويشير بإصبعيه السبابتين فقال صلى الله عليه وسلم أحد أحد ‏”‏ أي اقتصر على الواحدة‏.‏
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه‏:‏ ارفعوا هذه الأيدي قبل أن تغل بالأغلال‏.‏

ثم ينبغي أن يمسح بهما وجهه في آخر الدعاء‏:‏ قال عمر رضي الله عنه ‏”‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مد يديه في الدعاء لم يردهما حتى يمسح بهما وجهه ‏”‏ وقال ابن عباس ‏”‏ كان صلى الله عليه وسلم إذا دعا ضم كفيه وجعل بطونهما مما يلي وجهه ‏”‏ فهذه هيئات اليد ولا يرفع بصره إلى السماء قال صلى الله عليه وسلم ‏”‏ لينتهين أقوام عن رفع أبصارهم إلى السماء عند الدعاء أو لتخطفن أبصارهم ‏”‏.

الرابع :- خفض الصوت بين المخافتة والجهر.

لما روي أن أبا موسى الأشعري قال‏:‏ قدمنا مع رسول الله فلما دنونا من المدينة كبر وكبر الناس ورفعوا أصواتهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أيها الناس إن الذي تدعون ليس بأصم ولا غائب إن الذي تدعون بينكم وبين أعناق ركابكم ‏”‏ وقالت عائشة رضي الله عنها في قوله عز وجل ‏”‏ ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ‏”‏ أي بدعائك وقد أثنى الله عز وجل على نبيه زكرياء عليه السلام حيث قال ‏”‏ إذ نادى ربه نداء خفياً ‏”‏ وقال عز وجل ‏”‏ ادعوا ربكم تضرعاً وخفية ‏”‏.

الخامس :- أن لا يتكلف السجع في الدعاء.

فإن حال الداعي ينبغي أن يكون حال متضرع والتكلف لا يناسبه قال صلى الله عليه وسلم ‏”‏ سيكون قوم يعتدون في الدعاء ‏”‏ وقد قال عز وجل‏:‏ ‏”‏ ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين ‏”‏ قيل معناه التكلف للأسجاع والأولى أن لا يجاوز الدعوات المأثورة فإنه قد يعتدي في دعائه فيسأل ما لا تقتضيه مصلحته فما كل أحد يحسن الدعاء ،ولذلك روي عن معاذ رضي الله عنه‏:‏ إن العلماء يحتاج إليهم في الجنة إذ يقال لأهل الجنة تمنوا فلا يدرون كيف يتمنون حتى يتعلموا من العلماء، وقد قال صلى الله عليه وسلم ‏”‏ إياكم والسجع في الدعاء حسب أحدكم أن يقول اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل ‏”‏ وفي الخبر‏:‏ سيأتي قوم يعتدون في الدعاء والطهور‏.‏
ومر بعض السلف بقاص يدعو بسجع فقال له‏:‏ أعلى الله تبالغ أشهد لقد رأيت حبيباً العجمي يدعو وما يزيد على قوله‏:‏ اللهم اجعلنا جيدين اللهم لا تفضحنا يوم القيامة اللهم وفقنا للخير والناس يدعون من كل ناحية وراءه وكان يعرف بركة دعائه‏.‏
وقال بعضهم‏:-ادع بلسان الذلة والافتقار لا بلسان الفصاحة والانطلاق‏.‏
ويقال إن العلماء والأبدال لا يزيديون في الدعاء على سبع كلمات فما دونها ويشهد له آخر سورة البقرة فإن الله تعالى لم يخبر في موضع من أدعية عبادة أكثر من ذلك‏.‏
واعلم أن المراد بالسجع هو المتكلف من الكلام فإن ذلك لا يلائم الضراعة والذلة ،وإلا ففي الأدعية المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات متوازنة لكنها غير متكلفة كقوله صلى الله عليه وسلم ‏”‏ أسألك الأمن من يوم الوعيد والجنة يوم الخلود مع المقربين الشهود والركع السجود الموفين بالعهود إنك رحيم ودود وإنك تفعل ما تريد ‏”‏ وأمثال ذلك فليقتصر على المأثور من الدعوات ،أو ليلتمس بلسان التضرع والخشوع من غير سجع وتكلف فالتضرع هو المحبوب عند الله عز وجل.

السادس:- التضرع والخشوع والرغبة والرهبة.

قال الله تعالى ‏”‏ إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً ‏”‏ وقال عز وجل ‏”‏ ادعوا ربكم تضرعاً وخفية ‏”‏ وقال صلى الله عليه وسلم ‏”‏ إذا أحب الله عبداً ابتلاه حتى يسمع تضرعه ‏”‏‏.‏

السابع:- أن يجزم الدعاء ويوقن بالإجابة ويصدق رجاءه فيه‏.‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏”‏ لا يقل أحدكم إذا دعا اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت ليعزم المسألة فإنه لا مكره له ‏”‏ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏”‏ إذا دعا أحدكم فليعم الرغبة فإن الله لا يتعاظمه شيء ‏”‏ وقال صلى الله عليه وسلم ‏”‏ ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله عز وجل لا يستجيب دعاء من قلب غافل ‏”‏ وقال سفيان بن عيينة‏:‏ لا يمنعن أحدكم من الدعاء ما يعلم من نفسه فإن الله عز وجل أجاب دعاء شر الخلق إبليس لعنه الله ‏”‏ إذ قال رب فانظرني إلى يوم يبعثون قال إنك من المنظرين ‏.

الثامن:- أن يلح في الدعاء ويكرره ثلاثاً.

قال ابن مسعود‏:‏ كان عليه السلام إذا دعا دعا ثلاثاً وإذا سال سأل ثلاثاً ‏”‏ وينبغي أن لا يستبطىء الإجابة لقوله صلى الله عليه وسلم ‏”‏ يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول قد دعوت فلم يستجب لي فإذا دعوت فاسأل الله كثيراً فإنك تدعو كريماً ‏”‏ وقال بعضهم‏:‏ إني أسأل الله عز وجل منذ عشرين سنة حاجة وما أجابني وأنا أرجو الإجابة سألت الله تعالى أن يوفقني لترك ما لا يعنيني‏.‏
وقال صلى الله عليه وسلم ‏”‏ إذا سأل أحدكم ربه مسألة فتعرف الإجابة فليقل الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ومن أبطأ عنه من ذلك فليقل الحمد لله على كل حال ‏.

التاسع :- أن يفتتح الدعاء بذكر الله عز وجل فلا يبدأ بالسؤال‏.‏
قال سلمة بن الأكوع ‏”‏ ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الدعاء إلا استفتحه بقول‏:‏ سبحان ربي العلي الأعلى الوهاب ‏”‏ قال أبو سليمان الداراني رحمه الله‏:‏ من أراد أن يسأل الله حاجة فليبدأ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسأله حاجته ثم يختم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإن الله عز وجل يقبل الصلاتين وهو أكرم من أن يدع ما بينهما وروي في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ‏”‏ إذا سألتم الله عز وجل حاجة فابتدئوا بالصلاة علي فإن الله تعالى أكرم من أن يسئل حاجتين فيقضي إحداهما ويرد الأخرى ‏”‏ رواه أبو طالب المكي .

العاشر :- وهو الأدب الباطن وهو الأصل في الإجابة‏:‏ التوبة ورد المظالم والإقبال على الله عز وجل بكنه الهمة فذلك هو السبب القريب في الإجابة‏.‏
فيروى عن كعب الأحبار أنه قال‏:‏ أصاب الناس قحط شديد على عهد موسى رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج موسى ببني إسرائيل يستسقي بهم فلم يسقوا حتى خرج ثلاث مرات ولم يسقوا فأوحى الله عز وجل إلى موسى عليه السلام‏:‏ إني لا أستجيب لك ولا لمن معك وفيكم نمام فقال موسى‏:‏ يا رب ومن هو حتى نخرجه من بيننا فأوحى الله عز وجل إليه‏:‏ يا موسى أنهاكم عن النميمة وأكون نماماً‏!‏ فقال موسى‏:‏ لبني إسرائيل‏:‏ توبوا إلى ربكم بأجمعكم عن النميمة فتابوا فأرسل الله تعالى عليهم الغيث‏.‏
وقال سعيد بن جبير قحط الناس في زمن ملك من ملوك بني إسرائيل فاستسقوا فقال الملك لبني إسرائيل‏:‏ ليرسلن الله تعالى علينا السماء أو لنؤذينه قيل له وكيف تقدر أن تؤذيه وهو في السماء فقال أقتل أولياءه وأهل طاعته فيكون ذلك أذى له فأرسل الله تعالى عليهم السماء‏.‏
وقال سفيان الثوري‏:‏ بلغني أن بني إسرائيل قحطوا سبع سنين حتى أكلوا الميتة من المزابل وأكلوا الأطفال وكانوا كذلك يخرجون إلى الجبال يبكون ويتضرعون فأوحى الله عز وجل إلى أنبيائهم عليهم السلام لو مشيتم إلي باقدامكم حتى تحفى ركبكم وتبلغ أيديكم عنان السماء وتكل ألسنتكم عن الدعاء فإني لا أجيب لكم داعياً ولا أحرم لكم باكياً حتى تردوا المظالم إلى أهلها ففعلوا فمطروا من يومهم‏.‏
وقال مالك بن دينار‏.‏
أصاب الناس في بني إسرائيل قحط فخرجوا مراراً فأوحى الله عز وجل إلى نبيهم أن أخبرهم أنكم تخرجون إلي بأبدان نجسة وترفعون إلي أكفاً قد سفكتم بها الدماء وملأتم بطونكم من الحرام الآن قد اشتد غضبي عليكم ولن تزدادوا مني إلا بعداً وقال أبو الصديق الناجي‏:‏ خرج سليمان عليه السلام يستسقي فمر بنملة ملقاة على ظهرها رافعة قوائمها إلى السماء وهي تقول‏:‏ اللهم إنا خلق من خلقك ولا غنى بنا عن رزقك فلا تهلكنا بذنوب غيرنا فقال سليمان عليه السلام‏:‏ ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم‏.‏
وقال الأوزاعي‏:‏ خرج الناس يستسقون فقام فيهم بلال بن سعد فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا معشر من حضر ألستم مقرين بالإساءة فقالوا‏:‏ اللهم نعم فقال‏:‏ اللهم إنا قد سمعناك تقول ‏”‏ ما على المحسنين من سبيل ‏”‏ وقد أقررنا بالإساءة فهل تكون مغفرتك إلا لمثلنا
اللهم فاغفر لنا وارحمنا واسقنا فرفع يديه ورفعوا أيديهم فسقوا‏.‏
وقيل لمالك بن دينار‏:‏ ادع لنا ربك فقال إنكم تستبطئون المطر وأنا أستبطىء الحجارة‏.‏
وروي أن عيسى صلوات الله عليه وسلامه خرج يستسقي فلما ضجروا قال لهم عيسى عليه السلام‏:‏ من أصاب منكم ذنباً فليرجع فرجعوا كلهم ولم يبق معه في المفازة إلا واحد فقال له عيسى عليه السلام‏:‏ أما لك من ذنب فقال‏:‏ والله ما علمت من شيء غير أني كنت ذات يوم أصلي فمرت بي امرأة فنظرت إليها بعيني هذه فلما جاوزتني أدخلت أصبعي في عيني فانتزعتها وتبعت المرأة بها‏.‏
فقال له عيسى عليه السلام‏:‏ فادع الله حتى أؤمن على دعائك قال‏:‏ فدعا فتجللت السماء سحاباً ثم صبت فسقوا وقال يحيى الغساني ‏”‏ أصاب الناس قحط على عهد داود عليه السلام فاختاروا ثلاثة من علمائهم فخرجوا حتى يستسقوا بهم فقال أحدهم‏:‏ اللهم إنك أنزلت في توراتك أن نعفو عمن ظلمنا اللهم إنا قد ظلمنا أنفسنا فاعف عنا‏.‏
وقال الثاني‏:‏ اللهم إنك أنزلت في توراتك أن نعتق أرقاءنا اللهم إنا أرقاؤك فأعتقنا‏.‏
وقال الثالث‏:‏ اللهم إنك أنزلت في توراتك أن لا نرد المساكين إذا وقفوا بأبوابنا اللهم إنا مساكينك وقفنا ببابك فلا ترد دعاءنا فسقوا ‏”‏ وقال عطاء السلمي‏:‏ منعنا الغيث فخرجنا نستسقي فإذا نحن بسعدون المجنون في المقابر فنظر إلي فقال يا عاء أهذا يوم النشور أو بعثر ما في القبور فقلت‏:‏ لا ولكنا منعنا الغيث فخرجنا نستسقي فقال يا عطاء‏:‏ بقلوب أرضية أم بقلوب سماوية فقلت‏:‏ بل بقلوب سماوية فقال‏:‏ هيهات يا عطاء قل للمتبهرجين لا تتبهرجوا فإن الناقد بصير‏.‏
ثم رمق السماء بطرفه وقال إلهي وسيدي ومولاي لا تهلك بلادك بذنوب عبادك ولكن بالسر المكنون من أسمائك وما وارت الحجب من آلائك إلا ما سقيتنا ماء غدقاً فراتاً تحيي به العباد وتروي به البلاد يا من هو على كل شيء قدير قال عطاء‏:‏ فما استتم الكلام حتى أرعدت السماء وأبرقت وجادت بمطر كأفواه القرب فولى وهو يقول‏:‏ أفلح الزاهدون والعابدونا إذ لمولاهم أجاعوا البطونا أسهروا الأعين العليلة حباً فانقضى ليلهم وهم ساهرونا شغلتهم عبادة الله حتى حسب الناس أن فيهم جنونا وقال ابن المبارك‏:‏ قدمت المدينة في عام شديد القحط فخرج الناس يستسقون فخرجت معهم إذا أقبل غلام أسود عليه قطعتا خيش قد اتزر بإحداهما وألقى الأخرى على عاتقه فجلس إلى جنبي فسمعته يقول إلهي أخلقت الوجوه عندك كثرة الذنوب ومساوي الأعمال وقد حبست عنا غيث السماء لتؤدب عبادك بذلك فأسألك يا حليماً ذا أناة يا من لا يعرف عباده منه إلا الجميل أن تسقيهم الساعة الساعة فلم يزل يقول الساعة الساعة حتى اكتست السماء بالغمام وأقبل المطر من كل جانب قال ابن المبارك‏:‏ فجئت إلى الفضيل فقال ما لي أراك كئيباً فقلت أمر سبقنا إليه غيرنا فتولاه دوننا وقصصت عليه القصة فصاح الفضيل وخر مغشياً عليه‏.‏
ويروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استسقى بالعباس رضي الله عنه فلما فرغ عمر من دعائه قال العباس‏:‏ اللهم إنه لم ينزل بلاء من السماء إلابذنب ولم يكشف إلا بتوبة وقد توجه بي القوم إليك لمكاني من نبيك صلى الله عليه وسلم وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا بالتوبة وأنت الراعي لا تهمل الضالة ولا تدع الكبير بدار مضيعة فقد ضرع الصغير ورق الكبير وارتفعت الأصوات بالشكوى وأنت تعلم السر وأخفى اللهم فأغثهم بغياثك قبل أن يقنطوا فيهلكوا فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون قال فما تم كلامه حتى ارتفعت السماء مثل الجبال‏.‏